وكذلك حب الله ورسوله موجود في قلب كل مؤمن، لا يمكنه دفع ذلك من قلبه إذا كان مؤمنًا. وتظهر علامات حبه لله ولرسوله إذا أخذ أحد يسب الرسول ويطعن عليه، أو يسب الله ويذكره بما لا يليق به. فالمؤمن يغضب لذلك أعظم مما يغضب لو سب أبوه وأمه.
ومع هذا، فكثير من أهل الكلام والرأى أنكروا محبة الله، وقالوا : يمتنع أن يكون محبًا أو محبوبًا، وجعلوا هذا من أصول الدين، وقالوا : خلافًا للحلولية، كأنه لم يقل بأن الله يحب إلا الحلولية. ومعلوم : أن هذا دين الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين، وأهل الإيمان أجمعين. وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، كما قد بسطناه في مواضع.
فهذه المحبة لله ورسوله موجودة في قلوب أكثر المنكرين لها، بل في قلب كل مؤمن ـ وإن أنكرها لشبهة عرضت له.
وهكذا المعرفة موجودة في قلوب هؤلاء. فإن هؤلاء الذين أنكروا محبته هم الذين قالوا : معرفته لا تحصل إلا بالنظر، فأنكروا ما في فطرهم وقلوبهم من معرفته، ومحبته.
ثم قد يكون ذلك الإنكار سببًا إلى امتناع معرفة ذلك في نفوسهم وقد يزول عن قلب أحدهم ما كان فيه من المعرفة والمحبة ـ فإن الفطرة قد تفسد ـ فقد تزول، وقد تكون موجودة ولا ترى ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [ الحج : ٤٦ ].
وقد قال تعالى :﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [ الروم : ٣٠، ٣١ ].


الصفحة التالية
Icon