وفي الصحيحين، عن النبى ﷺ أنه قال :[ كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء ]، ثم يقول أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم :﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ [ الروم : ٣٠ ].
والفطرة تستلزم معرفة الله، ومحبته، وتخصيصه بأنه أحب الأشياء / إلى العبد ـ وهو التوحيد. وهذا معنى قول :[ لا إله إلا الله ]، كما جاء مفسرًا :( كل مولود يولد على هذه الملة )، وروى :[ على ملة الإسلام ].
وفي صحيح مسلم، عن عياض بن حمار؛ أن النبى ﷺ قال :( يقول الله تعالى : إنى خلقت عبادى حنفاء، فاجتالتهم الشياطين، وَحَرْمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهم، وأَمَرَتْهُمْ أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطانا ).
فأخبر أنه خلقهم حنفاء، وذلك يتضمن معرفة الرب، ومحبته، وتوحيده. فهذه الثلاثة تضمنتها الحنيفية، وهي معنى قول :( لا إله إلا الله ).
فإن في هذه الكلمة الطيبة التي هي ﴿ كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ﴾ [ إبراهيم : ٢٤ ]، فيها إثبات معرفته والإقرار به. وفيها إثبات محبته، فإن الإله هو المألوه الذي يستحق أن يكون مألوهًا؛ وهذا أعظم ما يكون من المحبة. وفيها أنه لا إله إلا هو. ففيها المعرفة، والمحبة، والتوحيد.
وكل مولود يولد على الفطرة، وهي الحنيفية التي خلقهم عليها. ولكن أبواه يفسدان ذلك ـ فيهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، ويشركانه.
كذلك يجهمانه ـ فيجعلانه منكرًا لما في قلبه من معرفة الرب ومحبته وتوحيده. ثم المعرفة يطلبها بالدليل، والمحبة ينكرها بالكلية. والتوحيد المتضمن للمحبة ينكره من لا يعرفه، وإنما ثبت توحيد الخلق، والمشركون كانوا يُقرون بهذا التوحيد وهذا الشرك.