وقد قال طائفة من المفسرين :﴿ نَسُواْ اللّهَ ﴾، أي : تركوا أمر الله ﴿ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾، أى : حظوظ أنفسهم حيث لم يقدموا لها خيرًا، هذا لفظ طائفة ـ منهم البغوى ـ ولفظ آخرين ـ منهم ابن الجوزي ـ : حين لم يعملوا بطاعته. وكلاهما قال :﴿ نَسُواْ اللّهَ ﴾ أى : تركوا أمر الله.
ومثل هذا التفسير يقع كثيرًا في كلام من يأتى بمجمل من القول يبين معنى دلت عليه الآية ولا يفسرها بما يستحقه من التفسير. فإن قولهم :[ تركوا أمر الله ]. هو تركهم للعمل بطاعته، فصار الأول هو الثاني. والله ـ سبحانه ـ قال :﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾ [ الحشر : ١٩ ]، فهنا شيئان : نسيانهم لله، ثم نسيانهم لأنفسهم الذي عوقبوا به.
فإن قيل : هذا الثاني هو الأول لكنه تفصيل مجمل، كقوله :﴿ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ ﴾ [ الأعراف : ٤ ]، وهذا هو هذا، قيل : هو لم يقل :[ نسوا الله فنسوا حظ أنفسهم ] حتى يقال : هذا هو هذا، بل قال :﴿ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾، فثم إنساء منه لهم أنفسهم. ولو كان هذا هو الأول لكان قد ذكر ما يعذرهم به، لا ما يعاقبهم به.
فلو كان الثاني هو الأول لكان :﴿ نَسُواْ اللّهَ ﴾، أي : تركوا العمل بطاعته، فهو الذي أنساهم ذلك. ومعلوم فساد هذا الكلام لفظًا ومعنى.
ولو قيل :﴿ نَسُواْ اللّهَ ﴾، أى : نسوا أمره، ﴿ فَأَنسَاهُمْ ﴾ العمل بطاعته، أى : تذكرها، لكان أقرب، ويكون النسيان الأول على بابه. فإن من نسى نفس أمر الله لم يطعه.
ولكن هم فسروا نسيان الله بترك أمره. وأمره الذي هو كلامه ليس مقدورًا لهم حتى يتركوه، إنما يتركون العمل به، فالأمر بمعنى المأمور به.