وهو إما أن يقصد نفع الخلق والإحسان إليهم، أو يقصد مجرد ضررهم وتعذيبهم، أو لا يقصد واحدًا منهما، بل يريد ما يريد سواء كان كذا أو كذا. والثاني شرير ظالم يتنزه الرب عنه، والثالث سفيه عابث. فتعين أنه ـ تعالى ـ رحيم، كما أنه حكيم، كما قد بسط في مواضع.
فَصل
إثبات صفات الكمال له طرق :
أحدها : ما نبهنا عليه من أن الفعل مستلزم للقدرة ولغيرها. فمن النظار من يثبت أولا القدرة، ومنهم من يثبت أولا العلم، ومنهم من يثبت أولا الإرادة، وهذه طرق كثير من أهل الكلام.
وهذه يستدل عليها بجنس الفعل، وهي طريقة من لا يميز بين مفعول ومفعول، كجهم ابن صفوان ومن اتبعه.
وهؤلاء لا يثبتون حكمة، ولا رحمة، إذ كان جنس الفعل لا يستلزم ذلك. لكن هم أثبتوا بالفعل المحكم المتقن العلم. وكذلك تثبت بالفعل النافع الرحمة، وبالغايات المحمودة الحكمة.
ولكن هم متناقضون في الاستدلال بالإحكام والإتقان على العلم؛ إذ كان ذلك إنما يدل إذا كان فاعلا لغاية يقصدها. وهم يقولون : إنه يفعل لا لحكمة، ثم يستدلون بالإحكام على العلم، وهو تناقض.
كما تناقضوا في المعجزات حيث جعلوها دالة على صدق النبى، إما / للعلم الضرورى بذلك، وإما لكونه لو لم تدل لزم العجز. وهي إنما تدل إذا كان الفاعل يقصد إظهارها ليدل بها على صدق الأنبياء. فإذا قالوا : إنه لا يفعل شيئًا لشيء تناقضوا.
وأما الطريق الأخرى في إثبات الصفات وهي : الاستدلال بالأثر على المؤثر، وأن من فعل الكامل فهو أحق بالكمال.
والثالثة : طريقة قياس الأولى، وهي الترجيح والتفضيل، وهو أن الكمال إذا ثبت للمحدث الممكن المخلوق، فهو للواجب القديم الخالق أولى.
والقرآن يستدل بهذه، وهذه، وهذه.


الصفحة التالية
Icon