فالاستدلال بالأثر على المؤثر أكمل، كقوله تعالى :﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [ فصلت : ١٥ ]، قال الله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ [ فصلت : ١٥ ].
وهكذا، كل ما في المخلوقات من قوة وشدة تدل على أن الله أقوى وأشد، وما فيها من علم يدل على أن الله أعلم، وما فيها من علم وحياة يدل على أن الله أولى بالعلم والحياة.
وهذه طريقة يقر بها عامة العقلاء، حتى الفلاسفة يقولون : كل كمال في المعلول فهو من العلة.
وأما الاستدلال بطريق الأولى فكقوله :﴿ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ ﴾ [ النحل : ٦٠ ]، ومثل قوله :﴿ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [ الروم : ٢٨ ]، وأمثال ذلك مما يدل على أن كل كمال لا نقص فيه يثبت للمحدث المخلوق الممكن فهو للقديم الواجب الخالق أولى من جهة أنه أحق بالكمال؛ لأنه أفضل.
وذاك من جهة أنه هو جعله كاملا وأعطاه تلك الصفات.
واسمه [ العلي ] يفسر بهذين المعنيين؛ يفسر بأنه أعلى من غيره قدرًا، فهو أحق بصفات الكمال. ويفسر بأنه العالى عليهم بالقهر والغلبة، فيعود إلى أنه القادر عليهم وهم المقدورون. وهذا يتضمن كونه خالقًا لهم وربًا لهم.
وكلاهما يتضمن أنه نفسه فوق كل شيء، فلا شيء فوقه، كما قال النبى ﷺ :[ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء ].
فلا يكون شيء قبله، ولا بعده، ولا فوقه، ولا دونه، كما أخبر النبى ﷺ وأثنى به على ربه. وإلا فلو قدر أنه تحت بعض المخلوقات، كان ذلك نقصًا، وكان ذلك أعلى منه.


الصفحة التالية
Icon