وإن قيل : إنه لا داخل العالم ولا خارجه، كان ذلك تعطيلا له، فهو منزه عن هذا.
وهذا هو العلي الأعلى، مع أن لفظ [ العلي ] و [ العلو ]، لم يستعمل في القرآن عند الإطلاق إلا في هذا ـ وهو مستلزم لذينك ـ لم يستعمل في مجرد القدرة، ولا في مجرد الفضيلة.
ولفظ [ العلو ] يتضمن الاستعلاء، وغير ذلك من الأفعال إذا عدى بحرف الاستعلاء دل على العلو، كقوله :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [ الحديد : ٤ ] فهو يدل على علوه على العرش.
والسلف فسروا [ الاستواء ] بما يتضمن الارتفاع فوق العرش، كما ذكره البخاري في صحيحه عن أبي العالية في قوله :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى ﴾ قال : ارتفع. وكذلك رواه ابن أبي حاتم وغيره بأسانيدهم ـ رواه من حديث آدم بن أبي إياس، عن أبي جعفر، عن أبي الربيع، عن أبي العالية :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى ﴾، قال : ارتفع.
وقال البخاري : وقال مجاهد في قوله :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ : علا على العرش. ولكن يقال :[ علا على كذا ]، و [ علا عن كذا ] وهذا الثاني جاء في القرآن في مواضع، لكن بلفظ [ تعالى ] كقوله :﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ [ الإسراء : ٤٣ ]، ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٢٩ ]، وبسط هذا له موضع آخر.
والمقصود ـ هنا ـ أن كل واحد من ذكر أنه خلق، وأنه الأكرم الذي علم بالقلم، يدل على هاتين الطريقتين من إثبات الصفات، كما دلنا على الطريقة الأولى ـ طريقة الاستدلال بالفعل.
فإن قوله :﴿ الْأَكْرَمُ ﴾، يقتضي أنه أفضل من غيره في الكرم، والكرم اسم جامع لجميع المحاسن. فيقتضي أنه أحق بجميع المحامد، والمحامد هي صفات الكمال فيقتضي أنه أحق بالإحسان إلى الخلق والرحمة، وأحق بالحكمة، وأحق بالقدرة، والعلم والحياة، وغير ذلك.


الصفحة التالية
Icon