فالخلق فعله، والتعليم يتناول تعليم ما أنزله، كما قال :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [ الرحمن : ١ - ٤ ]، وقوله :﴿ بِالْقَلَمِ ﴾ يتناول تعليم كلامه الذي يكتب بالقلم. ونزوله في أول السورة التي أنزل فيها كلامه، وعلم نبيه كلامه الذي يكتب بالقلم دليل على شمول الآية لذلك، فإن سبب اللفظ المطلق والعام لابد أن يكون مندرجًا فيه. وإذا دل على أنه خلق وتكلم.
وقد قال :﴿ خَلَقَ الْإِنسَانَ ﴾. ومعلوم ـ بالعقل وبالخطاب ـ أن الإنسان المخلوق غير خلق الرب له، وكذلك خلقه لغيره.
والذين نازعوا في ذلك إنما نازعوا لشبهة عرضت لهم، كما قد ذكر بعد هذا وفي مواضع. وإلا فهم لا يتنازعون أن [ خلق ] فعل له مصدر ـ يقال : خلق ـ يخلق ـ خلقًا. والإنسان مفعول المصدر ـ [ المخلوق ] ليس هو المصدر.
ولكن قد يطلق لفظ المصدر على المفعول، كما يقال :[ درهم ضرب الأمير ]. ومنه قوله :﴿ هذا خلق الله ﴾ [ لقمان : ١١ ]، والمراد هناك : هذا مخلوق الله. وليس الكلام في لفظ [ خلق ] المراد به [ المخلوق ]، بل في لفظ [ الخلق ] المراد به [ الفعل ] الذي يسمي المصدر، كما يقال : خلق ـ يخلق ـ خلقًا، وكقوله :﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [ لقمان : ٢٨ ]، وقوله :﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ ﴾ [ الزمر : ٦ ]، وقوله :﴿ مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ﴾ [ الكهف : ٥١ ].
وإذا كان الخلق فعله فهو بمشيئته، إذ يمتنع أن يكون فعله بغير مشيئة. وما كان بالمشيئة، امتنع قدم عينه، بل يجوز قدم نوعه.