ففي قوله تعالى :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ وفي قوله :﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [ العلق : ١ ـ ٤ ]، دلالة على ثبوت صفات الكمال له، وأنه لم يزل متصفًا بها.
وأقوال السلف في ذلك كثيرة. وبهذا فسروا قوله :﴿ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [ النساء : ١٥٨ ]، ونحوه، كما ذكره البخاري في صحيحه عن ابن عباس ـ ورواه ابن أبي حاتم من عدة طرق ـ لما قيل له : قوله :﴿ وَكَانَ اللّهُ.. ﴾، كأنه كان شيء ثم مضى ؟ فقال ابن عباس : هو سمى نفسه بذلك ولم يزل كذلك.
هذا لفظ ابن أبي حاتم من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. فقال ابن عباس : كذلك كان ولم يزل.
ومن رواية عمرو بن أبي قيس، عن مُطرَّف، عن المِنْهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. قال : أتاه رجل فقال : سمعت الله يقول :﴿ وَكَانَ اللّهُ... ﴾، كأنه شيء كان ؟ فقال ابن عباس : أما قوله :﴿ كَانَ ﴾، فإنه لم يزل ولا يزال، و ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [ الحديد : ٣ ].
ومن رواية عبد الرحمن بن مَغْراء عن مُجَمّع بن يحيي، عن عمه، عن ابن عباس. قال، قال يهودي : إنكم تزعمون أن الله كان عزيزًا حكيمًا، فكيف هو اليوم ؟ فقال ابن عباس : إنه كان في نفسه عزيزًا حكيمًا.
وهذه أقوال ابن عباس تبين أنه لم يزل متصفًا بخبر [ كان ]، ولا / يزال كذلك، وأن ذلك حصل له من نفسه. فلم يزل متصفًا في نفسه إذا كان من لوازم نفسه، ولهذا لا يزال لأنه من نفسه.
وقال أحمد بن حنبل : لم يزل الله عالمًا، متكلمًا، غفورًا. وقال ـ أيضًا ـ : لم يزل الله متكلمًا إذا شاء.
فصل
وكما أنه أول آية نزلت من القرآن تدل على ذلك، فأعظم آية في القرآن تدل على ذلك، لكن مبسوطًا دلالة أتم من هذا.