ذكر البخاري في كتاب [ خلق أفعال العباد ] : أن هذا إجماع العلماء، خالق، وخلق، ومخلوق. وذكره البغوي قول أهل السنة، وذكره أبو نصر محمد بن إسحاق الكلاباذي في كتاب [ التعرف بمذاهب التصوف ]، أنه قول الصوفية. وهو قول الحنفية مشهور عندهم يسمونه / [ التكوين ]. وهو قول الكَرَّامِية، والهشامية، ونحوهما وهو قول القدماء من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد. وهو آخر قولي القاضي أبي يعلي.
ثم إذا قيل : الخلق غير المخلوق، وإنه قائم بالرب، فهل هو خلق قديم لازم لذات الرب مع حدوث المخلوقات، كما يقوله أصحاب أبي حنيفة وغيرهم ؟ أو هم خلق حادث بذاته ـ حدث لما حدث جنس المخلوقات ؟ أم خلق بعد خلق ؟ على ثلاثة أقوال.
وهذا أو هذا هو الذي عليه أئمة السنة والحديث وجمهورهم. وهو قول طوائف من أهل الكلام ـ من الكرامية والهشامية، وغيرهم.
فمن قال :[ إنه يتكلم بمشيئته واختياره كلامًا يقوم بذاته، يمكنه أن يقول : إنه يفعل باختياره ومشيئته فعلًا يقوم بذاته ].
والذين يقولون بقيام الأمور الاختيارية بذاته، منهم من يصحح دليل الأعراض والاستدلال به على حدوث الأجسام، كالكرامية، ومتأخري الحنفية، والمالكية، والحنبلية، والشافعية. ومنهم من لا يصححه، كأئمة السلف، وأئمة السنة والحديث، وأحمد بن حنبل، والبخاري وغيرهم.
وهذه المسألة يعبر عنها بـ [ مسألة التأثير ] هل هو أمر وجودي أم لا ؟ وهل التأثير زائد على المؤثر والأثر أم لا ؟ وكلام الرازي في ذلك مختلف، كما قد بسط الكلام على ذلك في مواضع.
وعمدة الذين قالوا : إن الخلق هو المخلوق، والتأثير هو وجود الأثر، لم يثبتوا زائدًا أن قالوا : لو كان الخلق والتأثير زائدًا على ذات المخلوق والأثر، لكان إما أن يقوم بمحل أو لا، والثاني باطل، فإن المعاني لا تقوم بأنفسها. وهذا رد على طائفة من المعتزلة قالوا : يقوم بنفسه.