قالوا : وإذا قام بمحل، فإما أن يقوم بالخالق أو بغيره، والثاني باطل، لأنه لو قام بغيره، لكان ذلك الغير هو الخالق، لا هو. وهذا رد على طائفة ثانية يقولون : إنه يقوم بالمخلوق.
وإذا قام بالخالق، فإما أن يكون قديمًا أو محدثًا، ولو كان قديمًا، للزم قدم المخلوق، فإن الخلق والمخلوق متلازمان. فوجود خلق بلا مخلوق ممتنع، وكذلك وجود تأثير بلا أثر.
وإن كان محدثًا، فهو باطل لوجهين؛ أحدهما : أنه يلزم قيام الحوادث به. والثاني : أن ذلك الخلق الحادث يفتقرإلى خلق آخر ويلزم التسلسل. ومعمر بن عباد التزم التسلسل، وجعل للخلق خلقًا، وللخلق خلقًا،/ لكن لا في ذات الله، وجعل ذلك في وقت واحد.
فهذه عمدة هؤلاء. وكل طائفة تخالفهم، منعت مقدمة من مقدمات دليلهم.
فمن جوَّز أن يقوم بنفسه، أو بالمخلوق، منع تينك المقدمتين. وأما الجمهور فكل أجاب بحسب قوله.
منهم من قال : بل الخلق والتكوين قديم، كما أن الإرادة ـ عندكم ـ قديمة. ومع القول بقدمها لم يلزم تقدم المراد، كذلك الخلق والتكوين قديم، ولا يلزم تقدم المخلوق. وهذا لازم للكلابية من الأشعرية وغيرهم لا جواب لهم عنه.
لكن لا يلزم من نفي قدم إرادة معينة، بل نفي قدم الإرادة، كما يقوله الجهمية والمعتزلة. أو يقول بقدم نوع الإرادة، كما يقوله أئمة أهل الحديث ومن وافقهم من الفلاسفة والمتكلمين وغيرهم.
لكن صاحب هذا القول يقال له : التكوين القديم إما أن يكون بمشيئته، وإما ألا يكون بمشيئته. فإن كان بغير مشيئته لزم أن يكون قد خلق الخلق بلا مشيئته. وإن كان بمشيئته، لزم أن يكون القديم مرادًا. وهذا باطل. ولو صح لأمكن كون العالم قديمًا ـ مع كونه مخلوقًا ـ / بخلق قديم بإرادة قديمة. ومعلوم أن هذا باطل. ولهذا كان كل من قال :[ القرآن قديم ]، يقولون : تكلم بغير مشيئته وقدرته.
فالمفعول المراد لا يكون إلا حادثًا، وكذلك الفعل المراد لا يكون إلا حادثًا.


الصفحة التالية
Icon