وأيضًا، فهؤلاء المنازعون لهم يقولون : الإرادة مستلزمة للمراد، والخلق مستلزم للمخلوق. وما ذكر حجة على هؤلاء، وهؤلاء. فإن الإرادة والخلق من الأمور الإضافية، وثبوت إرادة بلا مراد وخلق بلا مخلوق ممتنع. لكن المنازع يقول : توجد الإرادة والخلق، ويتأخر المراد المخلوق.
فيقال لهؤلاء : تقولون : توجد الإرادة، أو الخلق مع الإرادة، ولا يوجد لا المراد ولا المخلوق. ثم بعد ذلك بما لا يتناهي من تقدير الأوقات يوجد المراد المخلوق من غير سبب. وهذا معلوم البطلان في بداية العقول. فإن الإرادة أو الخلق كان موجودًا مع القدرة. فإن كان هذا مؤثرًا تامًا استلزم وجود الأثر، ولزم وجود الأثر عند وجود المؤثر التام.
فإن الأثر [ ممكن ]، والممكن يجب وجوده عند وجود المرجح / التام، إذ لو لم يكن كذلك، كان جائزًا بعد وجود المرجح يقبل الوجود والعدم، وحينئذ، فيفتقرإلى مرجح. وهذا يستلزم التسلسل. ولا ينقطع التسلسل إلا إذا وجد المرجح التام الموجب.
وهنا تنازع الناس، فقالت طائفة ـ مثل محمد بن الهيصم الكرامي ومحمود الخوارزمي ـ : يكون الممكن أولي بالوقوع لكن لا ينتهيإلى حد الوجوب.
وقال أكثر المعتزلة والأشعرية : بل لا يصير أولي ولكن القادر، أو القادر المريد، يرجح أحد المتماثلين بلا مرجح.
وآخرون عرفوا أن هذا لازم فاعترفوا بأنه عند وجود المرجح التام، يجب وجود الأثر، وعند الداعي التام مع القدرة، يجب وجود الفعل، كما اعترف بذلك أبو الحسين البصري، والرازي، والطوسي وغيرهم. وكثير من قدماء المتكلمين يقولون بالإرادة الموجبة، وأن الإرادة تستلزم وجود المراد.
والمتفلسفة أوردوا هذا على المتكلمين، لكن بأن الأثر يقارن وجود التأثير فيكون معه بالزمن.
وكثير من الناس لا يعرف إلا هذا القول، وذاك القول / كالرازي وغيره، فيبقون حياري في هذا الأصل العظيم الذي هو من أعظم أصول العلم والدين والكلام.