وقد بسطنا الكلام على هذا في غير موضع، وبينا أن قولًا ثالثًا هو الصواب الذي عليه أئمة العلم. وهو أن التأثير التام، يستلزم وجود الأثر عقبه ؛ لا معه في الزمان، ولا متراخيًا عنه.
فمن قال بالتراخي من أهل الكلام فقد غلط، ومن قال بالاقتران ـ كالمتفلسفة ـ فهم أعظم غلطًا. ويلزم قولهم من المحالات ما قد بيناه في مواضع.
وأما هذا القول فعليه يدل السمع والعقل. قال الله تعالى :﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ يس : ٨٢ ]، والعقلاء يقولون :[ قطعته فانقطع، وكسرته فانكسر ]، و [ طلق المرأة فطلقت، وأعتق العبد فعتق ]. فالعتق والطلاق يقعان عقب الإعتاق والتطليق ـ لا يتراخي الأثر، ولا يقارن. وكذلك الانكسار والانقطاع مع القطع والكسر.
وهذا مما يبين أنه إذا وجد الخلق، لزم وجود المخلوق عقبه، كما يقال : كون الله الشيء فَتَكَوَّنَ. فَتَكَوَّنه عقب تكوين الله ـ لا مع التكوين، ولا متراخيا.
وكذلك الإرادة التامة مع القدرة تستلزم وجود المراد المقدور.
فهو يريد أن يخلق، فيوجد الخلق بإرادته وقدرته. ثم الخلق يستلزم وجود المخلوق، وإن كان ذلك الخلق حادثًا بسبب آخر يكون هذا عقبه. فإنما في ذلك وجود الأثر عقب المؤثر التام، والتسلسل في الآثار. وكلاهما حق، والله أعلم.
وأما المخلوق، فلا يكون إلا بائنًا عنه ـ لا يقوم به مخلوق.
بل نفس الإرادة مع القدرة تقتضي وجود الخلق، كما تقتضي وجود الكلام.
ولا يفتقر الخلقإلى خلق آخر، بل يفتقرإلى ما به يحصل ـ وهو الإرادة المتقدمة وإذا خلق شيئًا أراد خلق شيء آخر. وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
ومن قال : إن الخلق حادث ـ كالهشامية والكرامية ـ قال : نحن نقول بقيام الحوادث.
ولا دليل على بطلان ذلك. بل العقل والنقل، والكتاب والسنة وإجماع السلف، يدل على تحقيق ذلك، كما قد بسط في موضعه.