وبهذا تزول أنواع الإشكال، ويعلم أن ما أخبرت به الرسل عن الله من أصدق الأقوال، وأن دلائل العقول لا تدل إلا على ما يوافق أخبار الرسول.
ولكن، نشأ الغلط من جهل كثير من الناس بما أخبر به الرسول / وسلوكهم أدلة برأيهم ظنوها عقلية وهي جهلية. فغلطوا في الدلائل السمعية والعقلية، فاختلفوا. ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [ البقرة : ١٧٦ ].
وقد بسط الكلام على هذا في مواضع ـ في مسألة الكلام والأفعال ـ وذكر ما تيسر من كلام السلف والأئمة في هذ الأصل. والمقصود هنا التنبيه على مآخذ الأقوال.
وهذا الموضع مما بينه أئمة السنة كالإمام أحمد وغيره. فتكلم في [ الرد على الجهمية ] على قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [ الزخرف : ٣ ]، وبين أن [ الجعل ] من الله قد يكون [ خلقًا ] كقوله :﴿ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ [ الأنعام : ١ ]، وقد يكون [ فعلًا ليس بخلق ]، وقوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾، من هذا الباب.
وذلك أن الخلق ـ ونحوه من الأفعال التي ليست خلقًا، مثل تكلمه بالقرآن وغيره، وتكلمه لموسي وغيره، ومثل النزول، والإتيان والمجيء، ونحو ذلك ـ فهذه إنما تكون بقدرته ومشيئته، وبأفعال أُخر تقوم بذاته ليست خلقًا.
وبهذا يجيب البخاري وغيره من أئمة السنة للكرامية إذا قالوا :[ المحدث لابد له من إحداث ؟ ]، فيقول :[ نعم، وذلك الإحداث / فعل ليس بخلق ]. و [ التسلسل ] نلتزمه.
فإن التسلسل الممتنع هو وجود المتسلسلات في آن واحد؛ كوجود خالق للخالق وخالق للخالق، أو للخلق خلق وللخلق خلق، في آن واحد. وهذا ممتنع من وجوه؛ منها وجود ما لا يتناهي في آن واحد وهذا ممتنع مطلقًا، ومنها أن كل ما ذكر يكون [ محدثًا ] لا [ ممكنًا ]، وليس فيها موجود بنفسه ينقطع به التسلسل، وإذًا كان أولي بالامتناع.


الصفحة التالية
Icon