بخلاف ما إذا قيل :[ كان قبل هذا الكلام كلام، وقبل هذا الفعل فعل ] جائز عند أكثر العقلاء ـ أئمة السنة، وأئمة الفلاسفة، وغيرهم.
فإذا قيل :[ هذا الكلام المحدث أحدثه في نفسه ]، كان هذا معقولًا. وهو مثل قولنا :[ تكلم به ]. وهو معني قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾، أي : تكلمنا به عربيا، وأنزلناه عربيا.
وكذلك فسره السلف كإسحاق بن راهويه، وذكره عن مجاهد قال :﴿ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ : قلناه عربيا، ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره، عن إسحاق بن راهويه قال : ذكر لنا عن مجاهد وغيره من التابعين ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ : إنا قلناه ووصفناه. وذكره / عن أحمد بن حنبل، عن الأشجعي، عن سفيان الثوري في قوله :﴿ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ : بيناه قرآنًا عربيًا.
والإنسان يفرق بين تكلمه وتحركه في نفسه، وبين تحريكه لغيره. وقد احتج سفيان بن عيينة ـ وغيره من السلف ـ على أنه غير مخلوق بأن الله خلق الأشياء بـ [ كن ]. فلو كانت [ كن ] مخلوقة لزم أن يكون خلق مخلوقًا بمخلوق، فيلزم التسلسل الباطل.
وذلك أنه إذا لم يخلق إلا بـ [ كن ]، فلو كانت [ كن ] مخلوقة، لزم ألا يخلق شيئًا. وهو الدور الممتنع. فإنه لا يخلق شيئًا حتي يقول :[ كن ]، ولا يقول :[ كن ] حتي يخلقها، فلا يخلق شيئًا. وهذا تسلسل في أصل التأثير والفعل، مثل أن يقال : لا يفعل حتي يفعل، فيلزم ألا يفعل؛ ولا يخلق حتي يخلق، فيلزم ألا يخلق.
وأما إذا قيل : قال :[ كن ]، وقبل [ كن ] [ كن ]، وقبل [ كن ] [ كن ]، فهذا ليس بممتنع. فإن هذا التسلسل في آحاد التأثير، لا في جنسه. كما أنه في المستقبل يقول :[ كن ] بعد [ كن ]، ويخلق شيئًا بعد شيء إلى غير نهاية.
فالمخلوقات التامة يخلقها بخلقه، وخلقه فعله القائم به، وذلك إنما يكون بقدرته ومشيئته.