وإذا قيل : هذا الفعل القائم به يفتقرإلى فعل آخر يكون هو المؤثر في وجوده ـ غير القدرة والإرادة ـ فإنه لو كان مجرد ذلك كافيا كفي في وجود المخلوق فلما كان لابد له من خلق، فهذا الخلق أمر حادث بعد أن لم يكن، وهو فعل قائم به. فالمؤثر التام فيه يكون مستلزمًا له مستعقبًا له، كالمؤثر التام في وجود الكلام الحادث بذاته.
والمتكلم من الناس إذا تكلم، فوجود الكلام ـ لفظه ومعناه ـ مسبوق بفعل آخر. فلابد من حركة تستعقب وجود الحروف التي هي الكلام. فتلك الحركة هي التي تجعل الكلام عربيًا أو عجميا، وهو فعل يقوم بالفاعل. وذلك الجعل الحادث حدث بمؤثر تام قبله ـ أيضًا.
وذات الرب هي المقتضية لذلك كله، فهي تقتضي الثاني بشرط انقضاء الأول، لا معه. واقتضاؤها للثاني فعل يقوم بها بعد الأول. وهي مقتضية لهذا التأثير وهذا التأثير.
ثم هذا التأثير ـ وكل تأثير ـ هو مسبب عما قبله، وشرط لما بعده. وليس في ذلك شيء مخلوق وإن كانت [ حادثة ].
وإن قال قائل : أنا أسمِّي هذا [ خلقًا ]، كان نزاعه لفظيا، وقيل له : الذين قالوا :[ القرآن مخلوق ]، لم يكن مرادهم هذا، ولا رد السلف والأئمة هذا. إنما ردوا قول من جعله مخلوقًا بائنًا عن الله، كما قال / الإمام أحمد : كلام الله من الله ليس بائنًا عنه.
وقالوا : القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ.
قال أحمد : منه بدأ هو المتكلم به لم يبدأ من مخلوق، كما قال من قال : إنه مخلوق، قال تعالى :﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ [ الأنعام : ١١٤ ].
ولهذا لا يقول أحد : إنه خلق نزوله، واستواءه، ومجيئه. وكذلك تكليمه لموسي، ونداؤه له ـ ناداه وكلمه بمشيئته وقدرته. والتكليم فعل قام بذاته، وليس هو الخلق، كما أن الإنسان إذا تكلم، فقد فعل كلامًا وأحدث كلامًا، ولكن في نفسه، لا مباينًا له.


الصفحة التالية
Icon