ولهذا كان الكلام صفة فعل، وهو صفة ذات ـ أيضًا ـ على مذهب السلف والأئمة.
ومن قال : إنه مخلوق يقول : إنه صفة فعل، ويجعل الفعل بائنًا عنه، والكلام بائنًا عنه. ومن قال : صفة ذات يقول : إنه يتكلم بلا مشيئته وقدرته.
ومذهب السلف : أنه يتكلم بمشيئته وقدرته، وكلامه قائم به. فهو صفة / ذات وصفة فعل. ولكن الفعل ـ هنا ـ ليس هو الخلق، بل كما قال الإمام أحمد : الجعل جعلان؛ جعل هو خلق، وجعل ليس بخلق.
وهذا كله يستلزم قيام الأفعال بذاته، وأنها تنقسمإلى قسمين : أفعال متعدية كالخلق، وأفعال لازمة كالتكلم والنزول. والسلف يثبتون النوعين ـ هذا وغيره.
وأما جعل القرآن عربيا ـ وإن كان متعديا في صناعة العربية بمعني أنه نصب مفعولًا ـ ففي [ الكلام ] الفعل الذي هو [ التكلم ] متصلًا بالمفعول الذي هو [ الكلام ] ـ كلاهما قائم بالمتكلم.
ولهذا قد يراد بالمفعول المصدر. إذا قلت :[ قال قولًا حسنًا ]. فقد يراد بـ [ القول ] المصدر فقط، وقد يراد به [ الكلام ] فقط فيكون المفعول، وقد يراد به المجموع فيكون مفعولًا به ومصدرًا.
وكذلك [ القرآن ] هو في الأصل [ قرأ قرآنًا ]، وهو الفعل والحركة، ثم سمي الكلام المقروء [ قرآنًا ]. قال تعالى في الأول :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ [ القيامة : ١٧، ١٨ ]، وقال في الثاني :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ ﴾ [ الإسراء : ٩ ].
وقد بسط هذا في غير هذا الموضع، وبين أن التلاوة والقراءة في / الأصل مصدر [ تلا تلاوة، وقرأ قراءة، كالقرآن ]، لكن يسمي به الكلام كما يسمي بالقرآن. وحينئذ، فتكون القراءة هي المقروء، والتلاوة هي المتلو.
وقد يراد بالتلاوة، والقراءة : المصدر الذي هو الفعل، فلا تكون القراءة والتلاوة هي المقروء المتلو، بل تكون مستلزمة له.


الصفحة التالية
Icon