وقد يراد بالتلاوة والقراءة مجموع الأمرين، فلا تكون هي المتلو؛ لأن فيها الفعل، ولا تكون مباينة مغايرة للمتلو؛ لأن المتلو جزؤها.
هذا، إذا أريد بالقراءة والمقروء شيء واحد معين، مثل قراءة الرب ومقروءه، أو قراءة العبد ومقروءه. وأما إذا أريد بالقراءة قراءة العبد وهي حركته، وبالمقروء صفة الرب، فلا ريب أن حركة العبد ليست صفة الرب.
ولكن هذا تكلف. بل قراءة العبد مقروءه كمقروئه. وقراءته للقرآن إذا عني بها نفس القرآن، فهي مقروءه. وإن عني بها حركته، فليست مقروءه. وإن عني بها الأمران فلا يطلق أحدهما.
ولهذا كان من المنتسبين إلى السنة من يقول : القراءة هي المقروء. ومنهم من يقول : القراءة غير المقروء. ومنهم من لا يطلق واحدًا / منهما. ولكل قول وجه من الصواب عند التصور التام والإنصاف. وليس فيها قول يحيط بالصواب، بل كل قول فيه صواب من وجه وقد يكون خطأ من وجه آخر.
والبخاري إنما يثبت خلق أفعال العباد ـ حركاتهم وأصواتهم. وهذه القراءة هي فعل العبد يؤمر به وينهي عنه. وأما الكلام نفسه، فهو كلام الله. ولم يقل البخاري : إن لفظ العبد مخلوق ولا غير مخلوق كما نهي أحمد عن هذا وهذا.
والذي قال البخاري إنه مخلوق من أفعال العباد وصفاتهم، لم يقل أحمد ولا غيره من السلف إنه غير مخلوق، وإن سكتوا عنه؛ لظهور أمره، ولكونهم كانوا يقصدون الرد على الجهمية.
والذي قال أحمد إنه غير مخلوق ـ هو كلام الله لا صفة العباد ـ لم يقل البخاري إنه مخلوق.
ولكن أحمد كان مقصوده الرد على من يجعل كلام الله مخلوقًا إذا بلغ عن الله، والبخاري كان مقصوده الرد على من يقول : أفعال العباد وأصواتهم غير مخلوقة.
وكلا القصدين صحيح لا منافاة بينهما. وقد بين ذلك ابن قتيبة في / مسألة اللفظ، ولكن المنحرفونإلى أحد الطرفين ينكرون على الآخر. والله ـ سبحانه ـ أعلم.

فصل



الصفحة التالية
Icon