وأما الأفعال اللازمة ـ كالاستواء والمجيء ـ فالناس متنازعون في نفس إثباتها؛ لأن هذه ليس فيها مفعول موجود يعلمونه حتي يستدلوا بثبوت المخلوق على الخلق، وإنما عرفت بالخبر. فالأصل فيها الخبر، لا العقل.
ولهذا كان الذين ينفون الصفات الخبرية ينفونها ـ ممن يقول :[ الخلق غير المخلوق ]. وممن يقول :[ الخلق هو المخلوق ] ومن يثبت الصفات الخبرية من الطائفتين يثبتها.
والذين أثبتوا الصفات الخبرية لهم في هذه قولان :
منهم من يجعلها من جنس الفعل المتعدي بجعلها أمورًا حادثة في غيرها. وهذا قول الأشعري، وأئمة أصحابه ومن وافقهم، كالقاضي أبي يعلي، وابن الزاغوني، وابن عقيل في كثير من أقواله.
فالأشعري يقول : الاستواء فعل فعله في العرش، فصار به / مستويا على العرش. وكذلك يقول في الإتيان، والنزول. ويقول : هذه الأفعال ليست من خصائص الأجسام، بل توصف بها الأجسام والأعراض، فيقال :[ جاءت الحمى، وجاء البرد، وجاء الحر ]. ونحو ذلك.
وهذا ـ أيضًا ـ قول القاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى، وغيرهما.
وحملوا ما روي عن السلف، كالأوزاعي وغيره، أنهم قالوا في النزول : يفعل الله فوق العرش بذاته، كما حكاه القاضي عبد الوهاب عن القاضي أبي بكر، وكما حكوه عن الأشعري وغيره، كما ذكر في غير موضع من كتبه.
ولكن عندهم هذا من الصفات الخبرية. وهذا قول البيهقي وطائفة وهو أول قولي القاضي أبي يعلي.
وكل من قال : إن الرب لا تقوم به الصفات الاختيارية، فإنه ينفي أن يقوم به فعل شاءه سواء كان لازمًا أو متعديًا. لكن من أثبت من هؤلاء فعلًا قديمًا كمن يقول بالتكوين. وبهذا فإنه يقول : ذلك القديم قام به بغير مشيئته، كما يقولون في إرادته القديمة.


الصفحة التالية
Icon