وأيضًا، فإنه مازال مقتدرًا عليه من حين خلقه.
ومنها : كون لفظ [ الاستواء ] في لغة العرب يقال على القدرة أو علو القدر ممنوع عندهم. والاستعمال الموجود في الكتاب والسنة وكلام العرب يمنع هذا، كما قد بسط في موضعه.
وتكلم على البيت الذي يحتجون به :
ثم استوي بِشْرٌ على العراق ** من غير سيفٍ ودم مهراق
وأنه لو كان صحيحًا، لم يكن فيه حجة. فإنهم لم يقولوا : استوى عمر على العراق لما فتحها، ولا استوي عثمان على خراسان، ولا استوى رسول الله ﷺ على اليمن.
وإنما قيل : هذا البيت ـ إن صح ـ في بشر بن مروان لما دخل العراق واستوى على كرسي ملكها. فقيل هذا كما يقال : جلس على سرير الملك، أو تخت الملك، ويقال : قعد على الملك، والمراد هذا.
وأيضًا، فالآيات الكثيرة والأحاديث الكثيرة وإجماع السلف يدل على أن الله فوق العرش، كما قد بسط في مواضع.
وأما الذين قالوا : الاستواء صفة فعل، فهؤلاء لهم قولان هنا ـ على ما تقدم ـ : هل هو فعل بائن عنه لأن الفعل بمعني المفعول، أم فعل قائم به يحصل بمشيئته وقدرته ـ :
الأول : قول ابن كُلاب، ومن اتبعه كالأشعري وغيره. وهو قول القاضي، و ابن عقيل، وابن الزاغوني، وغيرهم.
والثاني : قول أئمة أهل الحديث والسنة، وكثير من طوائف الكلام، كما تقدم.
ولهذا صار للناس فيما ذكر الله في القرآن من الاستواء والمجيء ونحو ذلك ستة أقوال :
طائفة يقولون : تجري على ظاهرها، ويجعلون إتيانه من جنس إتيان المخلوق، ونزوله من جنس نزولهم. وهؤلاء المشبهة الممثلة، ومن هؤلاء من يقول : إذا نزل خلا منه العرش، فلم يبق فوق العرش.


الصفحة التالية
Icon