وهذا هو الذي ذكره ابن الجوزي في تفسيره. قال :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ﴾، أي : عمد إلى خلقها.
وكذلك هو يرجح قول من يفسر الإتيان بإتيان أمره، وقول من يتأول الاستواء. وقد ذكر ذلك في كتب أخري، ووافق بعض أقوال ابن عقيل. قال : ابن عقيل له في هذا الباب أقوال مختلفة وتصانيف يختلف فيها رأيه واجتهاده.
وقال البغوي في تفسير قوله :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [ يونس : ٣ ] : قال الكَلْبي، ومقاتل : استقر. وقال أبو عبيدة : صعد. وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء.
وأما أهل السنة فيقولون : الاستواء على العرش صفة للّه بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به ويكل العلم فيه إلى اللّه. وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [ طه : ٥ ]، كيف استوى ؟ فأطرق مالك رأسه مليًا، وعلاه الرُّحَضاء [ هو : العرق ]، ثم قال : الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالا. ثم أمر به فأخرج.
قال : روي عن سفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبد اللّه بن المبارك، وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهة : أمروها كما جاءت بلا كيف.
وقال في قوله :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ﴾ [ البقرة : ٢١٠ ] : الأولَي في هذه الآية ـ وفيما شاكلها ـ أن يؤمن الإنسان بظاهرها، ويكل علمها إلى اللّه، ويعتقد أن اللّه منزه عن سمات الحدث. على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة.
قال الكَلْبي : هذا من المكتوم الذي لا يفسر.
قلت : وقد حكي عنه أنه قال في تفسير قوله :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى ﴾ : استقر. ففسر ذاك، وجعل هذا من المكتوم الذي لا يفسر؛ لأن ذاك فيه وصفه بأنه فوق العرش، وهذا فيه إتيانه في ظلل من الغمام.


الصفحة التالية
Icon