قال البغوي : وكان مكحول [ هو أبو عبد الله مكحول بن أبي مسلم بن شاذل، الهذلي، فقيه الشام في عصره، من حفاظ الحديث، ورحل في طلب الحديث إلى العراق فالمدينة وطاف كثيرًا واستقر في دمشق، وتوفي بها عام ٢١١هـ ] والزهري، والأوزاعي، ومالك، وعبد اللّه بن المبارك، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق، يقولون فيه وفي أمثاله : أمروها كما جاءت بلا كيف. قال سفيان بن عيينة : كل ما وصف اللّه به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عنه؛ ليس لأحد أن يفسره إلا اللّه ورسوله.
وهذه الآية أغمض من آية الاستواء؛ ولهذا كان أبو الفرج يميل إلى تأويل هذا وينكر قول من تأول الاستواء بالاستيلاء.
قال في تفسيره : قال الخليل بن أحمد :[ العرش ] : السرير، وكل سرير للملك يسمى [ عرشًا ] وقلما يجمع العرش إلا في الاضطرار.
قلت : وقد روي ابن أبي حاتم عن أبي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال : يسمي [ عرشًا ] لارتفاعه. قلت : والاشتقاق يشهد لهذا، كقوله :﴿ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ]، وقوله :﴿ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ﴾ [ الأنعام : ١٤١ ]، وقول سعد : وهذا كافر بالعرش. ومقعد الملك يكون أعلى من غيره. فهذا بالنسبة إلى غيره عال عليه، وبالنسبة إلى ما فوقه هو دونه. وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال :( إذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفه عرش الرحمن ). فدل على أن العرش أعلى المخلوقات، كما بسط في مواضع أخر.
قال أبو الفَرَج : واعلم أن ذكر العرش مشهور عند العرب في الجاهلية والإسلام. قال أمية بن أبي الصلت :
مجدوا اللّه فهو للمجد أهل ** ربنا في السماء أمسي كبيرا
بالبناء الأعلى الذي سبق النا ** س وسوى فوق السماء سريرًا
شرْجَعا لا يناله بصر العيـ ** ـن تري دونه الملائك صورا
[ الشَّرْجَعُ : السرير ]


الصفحة التالية
Icon