قلت : يريد أنه ذكره من العرب من لم يكن مسلمًا ـ أخذه عن أهل الكتاب. فإن أمية ـ ونحوه ـ إنما أخذ هذا عن أهل الكتاب، وإلا فالمشركون لم يكونوا يعرفون هذا.
قال أبو الفَرَج ابن الجوزي، وقال كعب : إن السموات في العرش كقنديل معلق بين السماء والأرض.
قال : وإجماع السلف منعقد على ألا يزيدوا على قراءة الآية. وقد شذ قوم فقالوا : العرش بمعني المُلْك. وهو عدول عن الحقيقة إلى التجوز مع مخالفة الأثر. ألم يسمعوا قوله :﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ﴾ [ هود : ٧ ]، أفتراه كان المُلْك على الماء ؟
قال : وبعضهم يقول : استوى بمعني استولي، ويستدل بقول الشاعر :
حتي استوى بِشْر على العراق ** من غير سيف ودم مهراق
وقال الشاعر أيضًا :
قد قلما استوى بفضلهما جميـ ** ـعًا على عرش الملوك بغير زور
قال : وهو منكر عند اللُّغَويين. قال ابن الأعرابي : إن العرب لا تعلم استوى بمعني استولى، ومن قال ذلك فقد أعظم.
قال : وإنما يقال بـ [ استولى فلان على كذا ] إذا كان بعيدًا عنه غير متمكن ثم تمكن منه، واللّه ـ سبحانه وتعالى ـ لم يزل مستوليًا على الأشياء.
والبيتان لا يعرف قائلهما، كذا قال ابن فارس اللغوي. ولو صحا لم يكن حجة فيهما لما بينا من الاستيلاء من لم يكن مستوليًا ـ نعوذ باللّه من تعطيل الملحدة وتشبيه المجسمة !.
قلت : فقد تأول قوله :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ﴾ [ البقرة : ٢٩ ]، وأنكر تأويل ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [ يونس : ٣ ].
وهو في لفظ [ الإتيان ] قد ذكر القولين. فقال : قوله :﴿ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ ﴾ [ البقرة : ٢١٠ ]، كان جماعة من السلف يمسكون عن مثل هذا. وقد ذكر القاضي أبو يعلى عن أحمد أنه قال : المراد به قدرته وأمره. قال : وقد بينه في قوله :﴿ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [ النحل : ٣٣ ].