قلت : هذا الذي ذكره القاضي وغيره أن حنبلا نقله عن / أحمد في كتاب :[ المحنة ] ؛ أنه قال ذلك في المناظرة لهم يوم المحنة لما احتجوا عليه بقوله :( تجيء البقرة وآل عمران )، قالوا : والمجيء لا يكون إلا لمخلوق. فعارضهم أحمد بقوله :﴿ وَجَاء رَبُّكَ ﴾ [ الفجر : ٢٢ ]، ﴿ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ﴾ [ الأنعام : ١٥٨ ]، وقال : المراد بقوله :( تجيء البقرة وآل عمران ) : ثوابهما، كما في قوله :﴿ وَجَاء رَبُّكَ ﴾ : أمره وقدرته.
وقد اختلف أصحاب أحمد فيما نقله حنبل. فإنه لا ريب أنه خلاف النصوص المتواترة عن أحمد في منعه من تأويل هذا، وتأويل النزول، والاستواء، ونحو ذلك من الأفعال.
ولهم ثلاثة أقوال :
قيل : إن هذا غلط من حنبل، انفرد به دون الذين ذكروا عنه المناظرة، مثل صالح، وعبد اللّه، والمروذي، وغيرهم. فإنهم لم يذكروا هذا. وحنبل ينفرد بروايات يغلطه فيها طائفة، كالخلاَّل [ هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، مفسر عالم بالحديث واللغة، من كبار الحنابلة، من أهل بغداد، قال الذهبي : جامع علم أحمد ومرتبه، من كتبه :[ تفسير الغريب ]، و [ طبقات أصحاب ابن حنبل ] وغيرهما ] وصاحبه. قال أبو إسحاق ابن شَاقلا : هذا غلط من حنبل لا شك فيه.
وكذلك نُقِل عن مالك رواية أنه تأول :( ينزل إلى السماء الدنيا ) : أنه ينزل أمره. لكن هذا من رواية حبيب كاتبه وهو كذاب باتفاقهم. وقد رويت من وجه آخر لكن الإسناد مجهول.
والقول الثاني : قال طائفة من أصحاب أحمد : هذا قاله إلزاما للخصم / على مذهبه لأنهم في يوم المحنة لما احتجوا عليه بقوله :( تأتي البقرة وآل عمران ) أجابهم بأن معناه : يأتي ثواب البقرة وآل عمران، كقوله :﴿ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ ﴾، أي : أمره وقدرته، على تأويلهم، لا أنه يقول بذلك. فإن مذهبه ترك التأويل.