والقول الثالث : أنهم جعلوا هذا رواية عن أحمد، وقد يختلف كلام الأئمة في مسائل مثل هذه، لكن الصحيح المشهور عنه رد التأويل. وقد ذكر الروايتين ابن الزاغُوني وغيره، وذكر أن ترك التأويل هي الرواية المشهورة المعمول عليها عند عامة المشايخ من أصحابنا.
ورواية التأويل فسر ذلك بالعمد والقصد، لم يفسره بالأمر والقدرة كما فسروا ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ﴾.
فعلى هذا في تأويل ذلك ـ إذا قيل به ـ وجهان.
وابن الزاغُوني، والقاضي أبو يعلى، ونحوهما ـ وإن كانوا يقولون بإمرار المجيء والإتيان على ظاهره ـ فقولهم في ذلك من جنس قول ابن كُلاب، والأشعري. فإنه ـ أيضًا ـ يمنع تأويل النزول والإتيان والمجيء، ويجعله من الصفات الخبرية، ويقول : إن هذه الأفعال لا تستلزم الأجسام، بل يوصف بها غير الأجسام. وكلام ابن الزاغوني في / هذا النوع وفي استواء الرب على العرش هو موافق لقول أبي الحسن نفسه.
هذا قولهم في الصفات الخبرية الواردة في هذه الأفعال.
وأما علو الرب نفسه فوق العالم فعند ابن كُلاب أنه معلوم بالعقل، كقول أكثر المثبتة، كما ذكر ذلك الخطابي، وابن عبد البر، وغيرهما. وهو قول ابن الزاغُوني، وهو آخر قولي القاضي أبي يعلى، وكان القاضي أولا يقول بقول الأشعري : أنه من الصفات الخبرية. وهذا قول القاضي أبي بكر، والبيهقي، ونحوهما.
وأما أبو المعالي الجويني وأتباعه، فهؤلاء خالفوا الأشعري وقدماء أصحابه في الصفات الخبرية، فلم يثبتوها. لكن منهم من نفاها فتأول الاستواء بالاستيلاء، وهذا أول قولي أبي المعالي؛ ومنهم من توقف في إثباتها ونفيها، كالرازي، والآمدي، وآخر قولي أبي المعالي المنع من تأويل الصفات الخبرية، وذكر أن هذا إجماع السلف، وأن التأويل لو كان مسوغًا أو محتوما، لكان اهتمامهم به أعظم من اهتمامهم بغيره.


الصفحة التالية
Icon