أما الإتيان المنسوب إلى الله، فلا يختلف قول أئمة السلف، كمكحول والزهري والأوزاعي، وابن المبارك، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد، وأتباعهم، أنه يمر كما جاء. وكذلك ما شاكل ذلك مما جاء في القرآن، أو وردت به السنة، كأحاديث النزول، ونحوها. وهي طريقة السلامة ومنهج أهل السنة والجماعة ـ يؤمنون بظاهرها ويكلون علمها إلى الله ويعتقدون أن الله منزه عن سمات الحدث. على ذلك مضت الأئمة خلفًا بعد سلف، كما قال تعالى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ﴾ [ آل عمران : ٧ ].
وقال ابن السائب في قوله :﴿ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ﴾ [ البقرة : ٢١٠ ]. هذا من المكتوم الذي لا يفسر، وذكر ما يشبه كلام الخَطَّابي في هذا.
فإن قيل :[ كيف يقع الإيمان بما لا يحيط من يدعي الإيمان به علما بحقيقته ؟ ]، فالجواب : كما يصح الإيمان بالله /، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والنار والجنة. ومعلوم أنا لا نحيط علما بكل شيء من ذلك على جهة التفصيل، وإنما كُلِّفنا الإيمان بذلك في الجملة. ألا تري أنا لا نعرف عدة من الأنبياء وكثيرًا من الملائكة، ولا نحيط بصفاتهم، ثم لا يقدح ذلك في إيماننا بهم ؟ وقد قال النبي ﷺ في صفة الجنة :( يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ).
قلت : لا ريب أنه يجب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول وتصديقه فيما أخبر به، وإن كان الشخص لم يفقه بالعربية ما قال ولا فهم من الكلام شيئًا، فضلا عن العرب. فلا يشترط في الإيمان المجمل العلم بمعني كل ما أخبر به؛ هذا لا ريب فيه.