فكل من اشتبه عليه آية من القرآن. ولم يعرف معناها، وجب عليه الإيمان بها، وأن يكل علمها إلى الله في قول :[ الله أعلم ]. وهذا متفق عليه بين السلف والخلف. فما زال كثير من الصحابة يمر بآية ولفظ لا يفهمه فيؤمن به وإن لم يفهم معناه.
لكن، هل يكون في القرآن ما لا يفهمه أحد من الناس. بل ولا الرسول، عند من يجعل التأويل هو [ معنى الآية ] ويقول : إنه لا / يعلمه إلا الله ؟ فيلزم أن يكون في القرآن كلام لا يفهمه لا الرسول، ولا أحد من الأمة، بل ولا جبريل. هذا هو الذي يلزم على قول من يجعل معاني هذه الآيات لا يفهمه أحد من الناس.
وليس هذا بمنزلة ما ذكر في الملائكة، والنبيين، والجنة. فإنا قد فهمنا الكلام الذي خوطبنا به، وأنه يدل على أن هناك نعيمًا لا نعلمه. وهذا خطاب مفهوم، وفيه إخبارنا أن من المخلوقات ما لا نعلمه ـ وهذا حق ـ كقوله :﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [ المدثر : ٣١ ]، وقوله لما سألوه عن الروح :﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا ﴾ [ الإسراء : ٨٥ ]. فهذا فيه إخبارنا بأن لله مخلوقات لا نعلمها، أو نعلم جنسهم ولا نعلم قدرهم، أو نعلم بعض صفاتهم دون بعض.
وكل هذا حق، لكن ليس فيه أن الخطاب المنزل الذي أمرنا بتدبره لا يفقه ولا يفهم معناه لا الرسول ولا المؤمنون. فهذا هو المنكر الذي أنكره العلماء. فإن الله قال :﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [ الزخرف : ٣ ]، وقال :﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [ محمد : ٢٤ ]، وقال :﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ﴾ [ المؤمنون : ٦٨ ]، وقال :﴿ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [ محمد : ١٦ ].