وفرق بين ما لم يخبر به أو أخبرنا ببعض صفاته دون بعض ـ فما / لم يخبر به لا يضرنا ألا نعلمه ـ وبين ما أخبرنا به. وهو الكلام العربي الذي جعل هدي وشفاء للناس. وقال الحسن : ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم فيما أنزلت وما عني بها. فكيف يكون في مثل هذا الكلام ما لا يفهمه أحد قط ؟
وفرق بين أن يقال :[ الرب هو الذي يأتي إتيانًا يليق بجلاله ]، أو يقال :[ ما ندري، هل هو الذي يأتي أو أمره. فكثير من لا يجزم بأحدهما، بل يقول : اسكت، فالسكوت أسلم ].
ولا ريب أنه من لم يعلم فالسكوت له أسلم، كما قال النبي ﷺ :( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ). لكن هو يقول : إن الرسول وجميع الأمة كانوا ـ كذلك ـ لا يدرون هل المراد به هذا أو هذا، ولا الرسول كان يعرف ذلك. فقائل : هذا مبطل متكلم بما لا علم له به. وكان يسعه أن يسكت عن هذا ـ لا يجزم بأن الرسول والأئمة كلهم جهال يجب عليهم السكوت كما يجب عليه.
ثم إن هذا خلاف الواقع، فأحاديث النبي ﷺ وكلام السلف في معني هذه الآية ونظائرها كثير مشهور. لكن قال على ـ رضي الله عنه ـ :( حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون. أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟ ). وقال ابن مسعود :[ ما من / رجل يحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم ].
وإذا قال : بل كان من السلف من يجزم بأن المراد هو إتيانه نفسه، فهذا جزم بأنهم عرفوا معناها وبطلان القول الآخر، لم يكونوا ساكتين حيارى. ولا ريب أن مقدوره ومأموره مما يأتي أيضا، ولكن هو يأتي كما أخبر عن نفسه إتيانًا يليق بجلاله.
فإذا قيل : لا نعلم كيفية الاستواء، كان هذا صحيحًا. وإذا كان الخطاب والكلام مما لا يفهم أحد معناه ـ لا الرسول، ولا جبريل، ولا المؤمنون ـ لم يكن مما يتدبر ويعقل. بل مثل هذا عبث، والله منزه عن العبث.