ثم هذا يلزمهم في الأحاديث، مثل قوله :( ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء ). أفكان الرسول يقول هذا الحديث ونحوه وهو لا يفقه ما يقول ولا يفهم له معني ؟ سبحان الله ! هذا بهتان عظيم، وقدح في الرسول، وتسليط للملحدين. إذا قيل : إن نفس الكلام الذي جاء به قد كان لا يفهم معناه قالوا : فغيره من العلوم العقلية أولي ألا يفهم معناه.
والكلام إنما هو في صفات الرب، فإذا قيل : إن ما أنزل عليه من / صفات الرب لم يكن هو ولا غيره يفهمه، وهو كلام أمي عربي ينزل عليه، قيل : فالمعاني المعقولة في الأمور الإلهية أولي ألا يكون يفهمها. وحينئذ، فهذا الباب لم يكن موجودًا في رسالته، ولا يؤخذ من جهته ـ لا من جهة السمع، ولا من جهة العقل. قالت الملاحدة : فيؤخذ من طريق غيره.
فإذا قال لهم هؤلاء : هذا غير ممكن لأحد، منعوا ذلك وقالوا : إنما في القرآن أن ذلك الخطاب لا يعلم معناه إلا الله. لكن من أين لكم أن الأمور الإلهية لا تعلم بالأدلة العقلية التي يقصر عنها البيان بمجرد الخطاب والخبر ؟
والملاحدة يقولون : إن الرسل خاطبت بالتخييل، وأهل الكلام يقولون : بالتأويل، وهؤلاء الظاهرية يقولون : بالتجهيل. وقد بسط الكلام على خطأ الطوائف الثلاث، وبين أن الرسول قد أتي بغاية العلم والبيان الذي لا يمكن أحدًا من البشر أن يأتي بأكمل مما جاء به ﷺ تسليما. فأكمل ما جاء به القرآن، والناس متفاوتون في فهم القرآن تفاوتًا عظيما.
وقول ابن السائب : إن هذا من المكتوم الذي لا يفسر، يقتضي أن له تفسيرًا يعلمه العلماء ويكتمونه.


الصفحة التالية
Icon