فكل من اتبع المتشابه على هذا الوجه فهو مذموم. وهو حال من يريد أن يشكك الناس فيما علموه لكونه وإياهم لم يفهموا ما توهموا أنه يعارضه. هذا أصل الفتنة ـ أن يترك المعلوم لغير معلوم. كالسفسطة التي تورث شبها يقدح بها فيما علم وتيقن. فهذه حال من يفسد قلوب الناس وعقولهم بإفساد ما فيها من العلم والعمل ـ أصل الهدي، فإذا شككهم فيما علموه بقوا حيارى.
والرسول ﷺ قد أتي بالآيات البينات الدالة على / صدقه، والقرآن فيه الآيات المحكمات اللاتي هي أم الكتاب قد علم معناها وعلم أنها حق، وبذلك يهتدي الخلق وينتفعون.
فمن اتبع المتشابه ابتغي الفتنة وابتغي تأويله ـ والأول قصدهم فيه فاسد، والثاني ليسوا من أهله، بل يتكلمون في تأويله بما يفسد معناه إذ كانوا ليسوا من الراسخين في العلم.
وإنما الراسخ في العلم الذي رسخ في العلم بمعني المحكم، وصار ثابتا فيه لا يشك ولا يرتاب فيه بما يعارضه من المتشابه، بل هو مؤمن به، قد يعلمون تأويل المتشابه.
وأما من لم يرسخ في ذلك بل إذا عارضه المتشابه شك فيه فهذا يجوز أن يراد بالمتشابه ما يناقض المحكم، فلا يعلم معني المتشابه، إذ لم يرسخ في العلم بالمحكم. وهو يبتغي الفتنة في هذا وهذا. فهذا يعاقب عقوبة تردعه، كما فعل عمر بصَبِيغ.
وأما من قصده الهدي والحق، فليس من هؤلاء. وقد كان عمر يسأل ويسأل عن معاني الآيات الدقيقة، وقد سأل أصحابه عن قوله :﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [ النصر : ١ ]، فذكروا ظاهر لفظها. ولما فسرها ابن عباس بأنها إعلام النبي ﷺ بقرب وفاته قال : ما أعلم منها إلا ما تعلم.
وهذا باطن الآية الموافق لظاهرها. فإنه لما أمر بالاستغفار عند ظهور الدين، والاستغفار يؤمر به عند ختام الأعمال، وبظهور الدين حصل مقصود الرسالة، علموا أنه إعلام بقرب الأجل مع أمور أُخر. وفوق كل ذي علم عليم.