والاستدلال على الشيء بملزوماته. والشيء قد يكون له لازم، وللازمه لازم، وهلم جرا. فمن الناس من يكون أفطن بمعرفة اللوازم من غيره، يستدل بالملزوم على اللازم. ومن الناس من لا يتصور اللازم، ولو تصوره لم يعرف الملزوم، بل يقول : يجوز أن يلزم، ويجوز ألا يلزم؛ ويحتمل، ويحتمل. وتردد الاحتمال هو من عدم العلم، وإلا فالواقع هو أحد أمرين. فحيث كان احتمال بلا ترجيح كان لعدم العلم بالواقع وخفاء دليله، وغيره قد يعلم ذلك ويعلم دليله.
ومن ظن أن ما لا يعلمه هو لا يعلمه غيره، كان من جهله. فلا ينفي عن الناس إلا ما علم انتفاؤه عنهم، وفوق كل ذي علم عليم أعلم منه، حتي ينتهي الأمر إلى الله تعالى. وهذا قد بسط في مواضع.
ثم إنهم يقولون : المأثور عن السلف هو السكوت عن الخوض في / تأويل ذلك، والمصير إلى الإيمان بظاهره، والوقوف عن تفسيره؛ لأنا قد نهينا أن نقول في كتاب الله برأينا، ولم ينبهنا الله ورسوله على حقيقة معني ذلك.
فيقال : أما كون الرجل يسكت عما لا يعلم، فهذا مما يؤمر به كل أحد. لكن هذا الكلام يقتضي أنهم لم يعلموا معني الآية وتفسيرها وتأويلها. وإذا كان لم يتبين لهم، فمضمونه عدم علمهم بذلك، وهو كلامُ شاكٍ لا يعلم ما أريد بالآية.
ثم إذا ذكر لهم بعض التأويلات، كتأويل من يفسره بإتيان أمره وقدرته، أبطلوا ذلك بأن هذا يسقط فائدة التخصيص. وهذا نفي للتأويل وإبطال له.
فإذا قالوا مع ذلك :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ ﴾ [ آل عمران : ٧ ]، أثبتوا تأويلا لا يعلمه إلا الله وهم ينفون جنس التأويل.


الصفحة التالية
Icon