ونقول : ما الحامل على هذا التأويل البعيد ؟ وقد أمكن بدونه أن نثبت إتيانا ومجيئًا لا يعقل كما يليق به، كما أثبتنا ذاتًا لها حقيقة لا تعقل، وصفات من سمع وبصر وغير ذلك لا تعقل. ولأنه إذا جاز تأويل هذا، وأن نُقَدِّر مضمرًا محذوفًا من قدرة أو عذاب ونحو ذلك، فما منعكم من تأويل قوله :( ترون ربكم ) كذلك ؟
وهذا كلام في إبطال التأويل وحمل للفظ على ما دل عليه ظاهره على ما يليق بجلال الله.
فإذا قيل مع هذا : إن له تأويلا لا يعلمه إلا الله وأريد بالتأويل هذا الجنس، كان تناقضًا. كيف ينفي جنس التأويل ويثبت له تأويل لا يعلمه إلا الله.
فعُلِم أن التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، لا يناقض حمله على ما دل عليه اللفظ، بل هو أمر آخر يحقق هذا ويوافقه، لا يناقضه ويخالفه كما قال مالك : الاستواء معلوم والكيف مجهول.
وإذا كان كذلك، أمكن أن من العلماء من يعلم من معني الآية ما يوافق القرآن لم يعلمه غيره، ويكون ذلك من تفسيرها. وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، كمن يعلم أن المراد بالآية مجيء الله قطعًا لا شك في ذلك لكثرة ما دل عنده على ذلك. ويعلم ـ مع ذلك ـ أنه العلي الأعلى يأتي إتيانًا تكون المخلوقات محيطة به وهو تحتها. فإن هذا مناقض لكونه العلي الأعلى.
والجد الأعلى أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ قد جري في تفسيره على ما ذكر من الطريقة. وهذه عادته وعادات غيره. / وذكر كلام ابن الزاغُوني، فقال : قال الشيخ على بن عبيد الله الزاغُوني :
وقد اختلف كلام إمامنا أحمد في هذا المجيء هل يحمل على ظاهره، وهل يدخل التأويل ؟ على روايتين :