إحداهما : أنه يحمل على ظاهره من مجيء ذاته. فعلى هذا يقول : لا يدخل التأويل، إلا أنه لا يجب أن يحمل مجيئه بذاته إلا على ما يليق به. وقد ثبت أنه لا يحمل إثبات مجيء هو زوال وانتقال يوجب فراغ مكان وشغل آخر من جهة أن هذا يعرف بالجنس في حق المحدث الذي يقصر عن استيعاب المواضع والمواطن؛ لأنها أكبر منه وأعظم، يفتقر مجيئه إليها إلى الانتقال عما قرب إلى ما بعد.
وذلك ممتنع في حق الباري ـ تعالى ـ لأنه لا شيء أعظم منه، ولا يحتاج في مجيئه إلى انتقال وزوال؛ لأن داعي ذلك وموجبه لا يوجد في حقه. فأثبتنا المجيء صفة له ومنعنا ما يتوهم في حقه ما يلزم في حق المخلوقين؛ لاختلافهما في الحاجة إلى ذلك. ومثله قوله :﴿ وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [ الفجر : ٢٢ ].
ومثله الحديث المشهور الذي رواه عامة الصحابة، أن النبي ﷺ قال :( ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقي ثلث / الليل الآخر، فيقول : من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ). فنحن نثبت وصفه بالنزول إلى سماء الدنيا بالحديث ولا نتأول ما ذكروه ولا نلحقه بنزول الآدميين الذي هو زوال وانتقال من علو إلى أسفل. بل نسلم للنقل كما ورد، وندفع التشبيه لعدم موجبه، ونمنع من التأويل لارتفاع نسبته.
قال : وهذه الرواية هي المشهورة والمعمول عليها عند عامة المشائخ من أصحابنا.