قلت : أما كون إتيانه ومجيئه ونزوله ليس مثل إتيان المخلوق ومجيئه ونزوله، فهذا أمر ضروري متفق عليه بين علماء السنة ومن له عقل. فإن الصفات والأفعال تتبع الذات المتصفة الفاعلة. فإذا كانت ذاته مباينة لسائر الذوات، ليست مثلها، لزم ضرورة أن تكون صفاته مباينة لسائر الصفات ليست مثلها. ونسبة صفاته إلى ذاته، كنسبة صفة كل موصوف إلى ذاته. ولا ريب أنه العلي الأعلى العظيم، فهو أعلى من كل شيء، وأعظم من كل شيء. فلا يكون نزوله وإتيانه بحيث تكون المخلوقات تحيط به أو تكون أعظم منه وأكبر. هذا ممتنع.
وأما لفظ [ الزوال ] و [ الانتقال ] فهذا اللفظ مجمل، ولهذا كان / أهل الحديث والسنة فيه على أقوال.
فعثمان بن سعيد الدارمي وغيره، أنكروا على الجهمية قولهم : إنه لا يتحرك، وذكروا أثرًا أنه لا يزول، وفسروا الزوال بالحركة. فبين عثمان بن سعيد أن ذلك الأثر ـ إن كان صحيحًا ـ لم يكن حجة لهم؛ لأنه في تفسير قوله :﴿ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، ذكروا عن ثابت : دائم باق لا يزول عما يستحقه، كما قال ابن إسحاق : لا يزول عن مكانته.
قلت : والكَلْبي بنفسه الذي روي هذا الحديث هو يقول :﴿ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ : استقر، ويقول :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ﴾ : صعد إلى السماء.
وأما [ الانتقال ] فابن حامد وطائفة يقولون : ينزل بحركة وانتقال. وآخرون من أهل السنة ـ كالتميمي من أصحاب أحمد ـ أنكروا هذا وقالوا : بل ينزل بلا حركة وانتقال. وطائفة ثالثة، كابن بطة وغيره ـ يقفون في هذا.
وقد ذكر الأقوال الثلاثة القاضي أبو يعلى في كتاب [ اختلاف الروايتين والوجهين ونفي اللفظ بمجمله ].
والأحسن في هذا الباب، مراعاة ألفاظ النصوص، فيثبت ما / أثبت الله ورسوله باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه. وهو أن يثبت النزول، والإتيان، والمجيء، وينفي المثل، والسمي، والكفؤ، والند.