وبهذا يحتج البخاري وغيره على نفي المثل. يقال : ينزل نزولا ليس كمثله شيء، نزل نزولا لا يماثل نزول المخلوقين ـ نزولا يختص به، كما أنه في ذلك وفي سائر ما وصف به نفسه ليس كمثله شيء في ذلك. وهو منزه أن يكون نزوله كنزول المخلوقين، وحركتهم، وانتقالهم، وزوالهم مطلقًا ـ لا نزول الآدميين ولا غيرهم.
فالمخلوق إذا نزل من علو إلى سفل، زال وصفه بالعلو وتبدل إلى وصفه بالسفول، وصار غيره أعلى منه.
والرب ـ تعالى ـ لا يكون شيء أعلى منه قط، بل هو العلي الأعلى ولا يزال هو العلي الأعلى مع أنه يقرب إلى عباده ويدنو منهم، وينزل إلى حيث شاء، ويأتي كما شاء. وهو في ذلك العلي الأعلى، الكبير المتعالى، على في دنوه، قريب في علوه.
فهذا ـ وإن لم يتصف به غيره ـ فلعجز المخلوق أن يجمع بين هذا وهذا. كما يعجز أن يكون هو الأول والآخر، والظاهر والباطن.
ولهذا قيل لأبي سعيد الخَرَّاز : بم عرفت الله ؟ قال :[ بالجمع بين النقيضين ]. وأراد أنه يجتمع له ما يتناقض في حق الخلق، كما أجتمع له أنه خالق كل شيء من أفعال العباد وغيرها من الأعيان والأفعال ـ مع ما فيها من الخبث ـ وأنه عدل، حكيم، رحيم. وأنه يمكن من مكنه من عباده من المعاصي مع قدرته على منعهم، وهو في ذلك حكيم عادل. فإنه أعلم الأعلمين، وأحكم الحاكمين، وخير الفاتحين، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم.
فألا يحيطوا علما بما هو أعظم في ذلك أولي وأحري. وقد سألوا عن الروح فقيل لهم :﴿ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا ﴾ [ الإسراء : ٨٥ ]. وفي الصحيحين، أن الخضر قال لموسى لما نقر عصفور في البحر :( ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر ).


الصفحة التالية
Icon