فالذي ينفي عنه وينزه عنه، إما أن يكون مناقضًا لما علم من صفاته الكاملة، فهذا ينفي عنه جنسه، كما قال :﴿ اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، وقال :﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ [ الفرقان : ٥٨ ]، فجنس السنة، والنوم، والموت، ممتنع عليه، لا يجوز أن يقال في شيء من هذا :( إنه يجوز عليه كما يليق بشأنه ) ؛ لأن هذا الجنس يوجب نقصًا في كماله.
وكذلك لا يجوز أن يقال : هو يكون في السفل، لا في العلو، وهو سفول يليق بجلاله، فإنه ـ سبحانه ـ العلي الأعلى لا يكون ـ قط ـ إلا عاليًا، والسفول نقص هو منزه عنه.
وقوله :( وأنت الباطن فليس دونك شيء )، لا يقتضي السفول إلا عند جاهل لا يعلم حقيقة العلو والسفول، فيظن أن السموات - وما فيها - قد تكون تحت الأرض إما بالليل وإما بالنهار ـ وهذا غلط ـ كمن يظن أن ما في السماء من المشرق يكون تحت ما فيها مما في المغرب. فهذا ـ أيضا ـ غلط. بل السماء لا تكون قط إلا عالية على الأرض وإن كان الفلك مستديرًا محيطًا بالأرض فهو العإلى على الأرض علوًا حقيقيا من كل جهة. وهذا مبسوط في مواضع.
والنوع الثاني : أنه منزه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته، فالألفاظ التي جاء بها الكتاب والسنة في الإثبات تثبت. والتي جاءت بالنفي تنفي. والألفاظ المجملة كلفظ [ الحركة ] و [ النزول ] و [ الانتقال ] يجب أن يقال فيها : إنه منزه عن مماثلة المخلوقين من كل وجه، لا يماثل المخلوق ـ لا في نزول، ولا في حركة، ولا انتقال ولا زوال، ولا غير ذلك.
وأما إثبات هذا الجنس، كلفظ [ النزول ]، أو نفي/مطلقًا كلفظ [ النوم ] و [ الموت ]، فقد يسلك كلاهما طائفة تنتسب إلى السنة.
والمثبتة يقولون : نثبت حركة، أو حركة وانتقالا، أو حركة وزوالًا، تليق به، كالنزول والإتيان اللائق به.


الصفحة التالية
Icon