والنفاة يقولون : بل هذا الجنس يجب نفيه.
ثم منهم من ينفي جنس ذلك في حقه بكل اعتبار، ولا يجَوِّز عليه أن يقوم به شيء من الأحوال المتجددة. وهذه طريقة الكُلاَّبية ومن اتبعهم ممن ينتسب إلى السنة والحديث.
ومنهم من لا ينفي في ذلك ما دل عليه النص، ولا ينفي هذا الجنس مطلقًا بما ذكروه من أنه لا تقوم به الحوادث لما قد علم بالآيات والسنة والعقل أنه يتكلم بمشيئته وقدرته، وأنه يحب عبده المؤمن إذا اتبع رسوله، إلى غير ذلك من المعاني التي دل عليها الكتاب والسنة. بل ينفي ما ناقض صفات كماله، وينفي مماثلة مخلوق له. فهذان هما اللذان يجب نفيهما. والله أعلم.
وكذلك إذا قال القائل : الله يجب تنزيهه عن سمات الحدث، أو/علامات الحدث، أو كل ما أوجب نقصًا وحدوثا فالرب منزه عنه، فهذا كلام حق معلوم متفق عليه.
لكن الشأن فيما تقول النافية : إنه من سمات الحدث، وآخرون ينازعونهم ـ لا سيما والكتاب والسنة تناقض قولهم - قالت الجهمية : إن قيام الصفات به، أو قيام الصفات الاختيارية، هو من سمات الحدث. وهذا باطل عند السلف وأئمة السنة، بل وجمهور العقلاء. بل ما ذكروه يقتضي حدوث كل شيء. فإنه ما من موجود إلا وله صفات تقوم به، وتقوم به أحوال تحصل بالمشيئة والقدرة. فإن كان هذا مستلزما للحدوث، لزم حدوث كل شيء، وألا يكون في العالم شيء قديم. وهذا قد بسط في مواضع أيضًا.
وسمات الحدث التي تستلزم الحدوث مثل افتقار إلى الغير. فكل ما افتقر إلى غيره، فإنه محدث، كائن بعد أن لم يكن. والرب منزه عن الحاجة إلى ما سواه بكل وجه. ومن ظن أنه محتاج إلى العرش، أو حملة العرش، فهو جاهل ضال، بل هو الغني بنفسه، وكل ما سواه فقير إليه من كل وجه. وهو الصمد الغني عن كل شيء، وكل ما سواه يصمد إليه محتاجا إليه :﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [ الرحمن : ٢٩ ].


الصفحة التالية
Icon