وفيه قال :[ إن عرشه أو كرسيه وسع السموات والأرض، وإنه يجلس عليه فما يفضل منه قدر أربعة أصابع ـ أو فما يفضل منه إلا قدر أربعة أصابع ـ وإنه لَىَئِط به أطيط الرَّحْل الجديد براكبه ].
ولفظ [ الأطيط ] قد جاء في حديث جبير بن مطعم الذي رواه أبو داود في السنن. وابن عساكر عمل فيه جزءًا، وجعل عمدة الطعن في ابن إسحاق.. والحديث قد رواه علماء السنة كأحمد، وأبي داود وغيرهما، وليس فيه إلا ما له شاهد من رواية أخرى. ولفظ [ الأطيط ] قد جاء في غيره.
وحديث ابن خليفة رواه الإمام أحمد وغيره مختصرًا، وذكر أنه حدث به وكيع.
لكن كثير ممن رواه رووه بقوله :[ إنه ما يفضل منه إلا أربع أصابع، فجعل العرش يفضل منه أربع أصابع ] واعتقد القاضي، وابن / الزَّاغُوني، ونحوهما، صحة هذا اللفظ، فأمروه وتكلموا على معناه بأن ذلك القدر لا يحصل عليه الاستواء. وذكر عن ابن العايذ أنه قال : هو موضع جلوس محمد ﷺ.
والحديث قد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره وغيره، ولفظه :[ وإنه ليجلس عليه، فما يفضل منه قدر أربع أصابع ] بالنفي.
فلو لم يكن في الحديث إلا اختلاف الروايتين ـ هذه تنفي ما أثبتت هذه. ولا يمكن مع ذلك الجزم بأن رسول الله ﷺ أراد الإثبات، وأنه يفضل من العرش أربع أصابع لا يستوى عليها الرب. وهذا معنى غريب ليس له قط شاهد في شيء من الروايات. بل هو يقتضي أن يكون العرش أعظم من الرب وأكبر. وهذا باطل، مخالف للكتاب والسنة، وللعقل.
ويقتضي ـ أيضًا ـ أنه إنما عرف عظمة الرب بتعظيم العرش المخلوق وقد جعل العرش أعظم منه. فما عظم الرب إلا بالمقايسة بمخلوق، وهو أعظم من الرب. وهذا معنى فاسد، مخالف لما علم من الكتاب والسنة والعقل.
فإن طريقة القرآن في ذلك؛ أن يبين عظمة الرب، فإنه أعظم من كل ما يعلم عظمته. فيذكر عظمة المخلوقات ويبين أن الرب أعظم منها.


الصفحة التالية
Icon