كما في الحديث الآخر الذي في سنن أبي داود، والترمذي، وغيرهما ـ حديث الأطيط ـ لما قال الأعرأبي : إنا نستشفع بالله عليك، ونستشفع بك على الله ـ تعالى ـ فسبح رسول الله ﷺ حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال :[ ويحك ! أتدرى ماتقول ؟ أتدرى ما الله ؟ شأن الله أعظم من ذلك. إن عرشه على سمواته هكذا ] ـ وقال بيده مثل القبة ـ :[ وإنه لىئط به أطيط الرحل الجديد براكبه ].
فبين عظمة العرش، وأنه فوق السموات مثل القبة. ثم بين تصاغره لعظمة الله، وأنه يئط به أطيط الرحل الجديد براكبه. فهذا فيه تعظيم العرش، وفيه أن الرب أعظم من ذلك. كما في الصحيحين عن النبي ﷺ قال :[ أتعجبون من غيرة سعد ؟ لأنا أغير منه، والله أغير منى ]. وقال :[ لا أحد أغير من الله. من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ] ومثل هذا كثير.
وهذا وغيره يدل على أن الصواب في روايته النفي، وأنه ذكر عظمة العرش، وأنه مع هذه العظمة فالرب مستو عليه كله لا يفضل منه قدر أربعة أصابع. وهذه غاية ما يقدر به في المساحة من أعضاء الإنسان، كما يقدر في الميزان قدره فيقال : ما في السماء قدر كف سحابًا. فإن الناس يقدرون الممسوح بالباع والذراع، وأصغر ما عندهم / الكف. فإذا أرادوا نفي القليل والكثير قدروا به، فقالوا : ما في السماء قدر كف سحابًا، كما يقولون في النفي العام :﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ [ النساء : ٤٠ ]، و ﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾ [ فاطر : ١٣ ]، ونحو ذلك.
فبين الرسول أنه لا يفضل من العرش شيء، ولا هذا القدر اليسير الذي هو أيسر ما يقدر به، وهو أربع أصابع. وهذا معنى صحيح موافق للغة العرب، وموافق لما دل عليه الكتاب والسنة، وموافق لطريقة بيان الرسول، له شواهد. فهو الذي يجزم بأنه في الحديث.


الصفحة التالية
Icon