ومن قال :[ ما يفضل إلا مقدار أربع أصابع ]، فما فهموا هذا المعنى، فظنوا أنه استثنى، فاستثنوا، فغلطوا. وإنما هو توكيد للنفي وتحقيق للنفي العام. وإلا فأي حكمة في كون العرش يبقى منه قدر أربع أصابع خالية، وتلك الأصابع أصابع من الناس، والمفهوم من هذا أصابع الإنسان. فما بال هذا القدر اليسير لم يستو الرب عليه ؟
والعرش صغير في عظمة الله ـ تعالى. وقد جاء حديث رواه ابن أبي حاتم في قوله :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ]، لمعناه شواهد تدل على هذا. فينبغي أنا نعتبر الحديث، فنطابق بين الكتاب والسنة. فهذا هذا والله أعلم.
قال : حدثنا أبو زُرْعة، ثنا مِنْجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدرى، عن رسول الله ﷺ في قوله تعالى :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ]، قال :( لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة ـ منذ خلقوا إلى أن فنوا ـ صفوا صفًا واحدًا ما أحاطوا بالله أبدًا ).
وهذا له شواهد، مثل ما في الصحاح في تفسير قوله تعالى :﴿ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [ الزمر : ٦٧ ]، قال ابن عباس : ما السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم.
ومعلوم أن العرش لا يبلغ هذا، فإن له حملة وله حول، قال تعالى :﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ﴾ [ غافر : ٧ ].
وهذا قد بسط في موضع آخر في [ مسألة الإحاطة ] وغيرها. والله أعلم.
فَصْل
فالرسول ﷺ بين الأصول الموصلة إلى الحق / أحسن بيان، وبين الآيات الدالة على الخالق ـ سبحانه ـ وأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، ووحدانيته، على أحسن وجه، كما قد بسط في مواضع.