والمقصود ـ هنا ـ أن كلامهم الذي زعموا أنهم أثبتوا به الصانع إنما يدل على نفي الصانع وتعطيله. فلا يكفي فيه أنه باطل لم يدل على الحق، بل دل على الباطل الذي يعلمون هم وسائر العقلاء أنه باطل.
ولهذا كان يقال في أصولهم :[ ترتيب الأصول في تكذيب الرسول ]. ويقال ـ أيضًا ـ هي :[ ترتيب الأصول في مخالفة الرسول والمعقول ]. جعلوها أصولا للعلم بالخالق، وهي أصول تناقض العلم به. فلا يتم العلم بالخالق إلا مع اعتقاد نقيضها. وفَرْقٌ بين الأصل والدليل المستلزم للعلم بالرب، وبين المناقض المعارض للعلم بالرب.
فالمتفلسفة يقولون : إنهم أثبتوا واجب الوجود. وهم لم يثبتوه، بل كلامهم يقتضي أنه ممتنع الوجود. والجهمية والمعتزلة ونحوهم يقولون : إنهم أثبتوا القديم المحدث للحوادث، وهم لم يثبتوه، بل كلامهم يقتضي أنه ما ثم قديم أصلا. وكذلك الأشعرية والكَرَّامية وغيرهم ممن يقول : إنه أثبت العلم بالخالق، فهم لم يثبتوه، لكن كلامهم يقتضي أنه ما ثَمَّ خالق.
وهذه الأسماء الثلاثة هي التي يُظْهرها هؤلاء ـ واجب الوجود، والقديم، والصانع أو الخالق، ونحو ذلك.
ثم إنه من المعلوم ـ بضرورة العقل ـ أنه لا بد في الوجود من موجود واجب بنفسه قديم أزلى محدث للحوادث. فإذا كان هذا معلومًا بالفطرة والضرورة والبراهين اليقينية، وكانت أصولهم التي عارضوا بها الرسول تناقض هذا، دل على فسادها جملة وتفصيلًا.
وقد ذكرنا ـ في مواضع ـ أن الإقرار بالصانع فطرى ضروري مع كثرة دلائله وبراهينه.