ونقول ـ هنا ـ : لا ريب أنا نشهد الحوادث كحدوث السحاب، والمطر والزرع، والشجر، والشمس، وحدوث الإنسان وغيره من الحيوان، / وحدوث الليل والنهار، وغير ذلك. ومعلوم ـ بضرورة العقل ـ أن المحدَث لابد له من مُحدِث، وأنه يمتنع تسلسل المحدثات بأن يكون للمحدَثِ محدِث، وللمحدِث محدِث، إلى غير غاية. وهذا يسمى تسلسل المؤثرات والعلل، والفاعلية، وهو ممتنع باتفاق العقلاء، كما قد بسط في مواضع، وذكر ما أورد عليه من الإشكالات. حتى ذكر كلام الآمدي، والأَبْهَرَى [ هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح التميمى الأبهرى، شيخ المالكية في العراق، له تصانيف في شرح مالك والرد على مخالفيه منها [ الرد على المزني ] و [ الأصول ]، وغيرها كثير، وكان ثقة أمينًا مستورًا، وانتهت إليه الرياسة في مذهب مالك ] مع كلام الرازي، وغيرهم.
مع أن هذا بديهي ضرورى في العقول، وتلك الخواطر من وسوسة الشيطان. ولهذا أمر النبي ﷺ العبد ـ إذا خطر له ذلك ـ أن يستعيذ بالله منه، وينتهي عنه. فقال :[ يأتى الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ فيقول : الله. فيقول : فمن خلق الله ؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليستعذ بالله ولينته ].
ومعلوم أن المحْدَثَ الواحد لا يحدث إلا بمحْدِثٍ. فإذا كثرت الحوادث وتسلسلت كان احتياجها إلى المحدِث أولى. وكلها محدَثَات، فكلها محتاجة إلى محدِث. وذلك لا يزول إلا بمحدثٍ لا يحتاج إلى غيره، بل هو قديم أزلي بنفسه ـ سبحانه وتعالى.
وإذا قيل : إن الموجود إما قديم وإما محدَثٌ، والمحدَثُ لابد له من قديم، فيلزم وجود القديم على التقديرين، كان برهانًا صحيحًا، /وكذلك إذا قيل : إما ممكن وإما واجب، وبين الممكن بأنه المحدث كان من هذا الجنس.


الصفحة التالية
Icon