وأما إذا فسر الممكن بما يتناول القديم، كما فعل ابن سينا وأتباعه كالرازي، كان هذا باطلاً. فإنه على هذا التقدير لا يمكن إثبات الممكن المفتقر إلى الواجب ابتداء، والدليل لا يتم إلا بإثبات هذا ابتداء. وإنما يمكن ذلك في أن المحدَث لابد له من محدِث. فإن هذا تشهد أفراده وتعلم بالعقل كلياته.
وأما إثبات قديم أزلي ممكن، فهذا مما اتفق العقلاء على امتناعه. وابن سينا وأتباعه وافقوا على امتناعه، كما ذكروه في المنطق تبعًا لسلفهم، لكن تناقضوا أولا. فسلفهم وهم يقولون : الممكن العامى والخاصى الذي يمكن وجوده وعدمه لا يكون إلا حادثًا، لا يكون ضروريًا، وكل ما كان قديمًا أزليًا فهو ضروري عندهم.
وكذلك إذا قيل : الموجود؛ إما أن يكون مخلوقًا وإما ألا يكون مخلوقًا، والمخلوق لابد له من موجود غير مخلوق، فثبت وجود الموجود الذي ليس بمخلوق على التقديرين.
وكذلك إذا قيل : الموجود؛إما غنى عن غيره، وإما فقير إلى غيره، والفقير المحتاج إلى غيره لا تزول حاجته وفقره إلا بغنى عن غيره،/فيلزم وجود الغنى عن غيره على التقديرين.
وكذلك إذا قيل : الحي؛ إما حى بنفسه، وإما حى حياته من غيره، وما كانت حياته من غيره فذلك الغير أولى بالحياة، فيكون حيًا بنفسه، فثبت وجود الحي بنفسه على التقديرين.
وكذلك إذا قيل : العالم؛ إما عالم بنفسه، وإما عالم علمه غيره، ومن علم غيره فهو أولى أن يكون عالمًا، وإذا لم يتعلم من غيره كان عالمًا بنفسه، فثبت وجود العالم بنفسه على التقديرين الحاصرين، فإنه لا يمكن سوى هذين التقديرين والقسمين.
فإذا كان لا يمكن إلا أحدهما، وعلى كل تقدير العالم بنفسه موجود والحي بنفسه موجود، والغنى بنفسه موجود، والقديم الواجب بنفسه موجود، لزم وجوده في نفس الأمر وامتناع عدمه في نفس الأمر، وهو المطلوب.


الصفحة التالية
Icon