وكذلك إذا قيل : القادر؛ إما قادر بنفسه، وإما قادر قدَّره غيره، ومن أقدر غيره فهو أولى أن يكون قادرًا. وإذا لم تكن قدرته من غيره، كانت قدرته من لوازم نفسه، فثبت وجود القادر بنفسه الذي قدرته من لوازم نفسه، وعلمه من لوازم نفسه، وحياته من لوازم نفسه، على كل تقدير.
وكذلك الحكيم إما أن يكون حكيمًا بنفسه، وإما أن تكون حكمته من غيره. ومن جعل غيره حكيمًا، فهو أولى أن يكون حكيمًا، فيلزم وجود الحكيم بنفسه على التقديرين.
وكذلك إذا قيل : الرحيم؛ إما أن تكون رحمته من نفسه، وإما أن يكون غيره جَعَله رحيمًا. ومن جعل غيره رحيمًا فهو أولى أن يكون رحيمًا وتكون رحمته من لوازم نفسه، فثبت وجود الرحيم بنفسه الذي رحمته من لوازم نفسه على التقديرين.
وكذلك إذا قيل : الكريم المحسن؛ إما أن يكون كرمه وإحسانه من نفسه وإما أن يكون من غيره. ومن جعل غيره كريمًا محسنًا فهو أولى أن يكون كريمًا محسنًا وذلك من لوازم نفسه. وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه رأى امرأة من السبي إذا رأت طفلا أرضعته رحمة له، فقال :( أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ ) قالوا : لا، يا رسول الله ! فقال :( لله أرحم بعباده من هذه بولدها ).
فبين أن الله أرحم بعباده من أرحم الوالدات بولدها. فإنه من جعلها رحيمة أرحم منها.
وهذا مما يدل علىه قوله :﴿ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [ العلق : ٣ ]، وقولنا :[ الله أكبر ] / فإنه ـ سبحانه ـ أرحم الراحمين. وخير الغافرين، وخير الفاتحين، وخير الناصرين، وأحسن الخالقين، وهو نعم الوكيل، ونعم المولى، ونعم النصير.
وهذا يقتضي حمدًا مطلقًا على ذلك، وأنه كافي من توكل عليه، وأنه يتولى عبده توليًا حسنًا، وينصره نصرًا عزيزًا. وذلك يقتضي أنه أفضل وأكمل من كل ما سواه، كما يدل على ذلك قولنا :[ الله أكبر ].


الصفحة التالية
Icon