وأن الرازي لما تبع ابن سينا، لم يكن في كتبه إثبات واجب الوجود. فإنهم جعلوا وجوده موقوفًا على إثبات [ الممكن ] الذي يدخل فيه القديم. فما بقى يمكن إثبات واجب الوجود ـ على طريقهم ـ إلا بإثبات ممكن قديم، وهذا ممتنع في بديهة العقل واتفاق العقلاء. فكان طريقهم موقوفًا على مقدمة باطلة في صريح العقل. وقد اتفق العقلاء على بطلانها، فبطل دليلهم. ولهذا كان كلامهم في [ الممكن ] مضطربًا غاية الاضطراب.
ولكن أمكنهم أن يستدلوا على أن المحدث لابد له من قديم، وهو/واجب الوجود. ولكن قد أثبتوا قديمًا ليس بواجب الوجود. فصار ما أثبتوه من القديم يناقض أن يكون هو رب العالمين؛ إذ أثبتوا قديمًا ينقسم إلى واجب وإلى غير واجب.
وأيضًا، فالواجب الذي أثبتوه قالوا : إنه يمتنع اتصافه بصفة ثبوتية. وهذا ممتنع الوجوب، لا ممكن الوجوب، فضلا عن أن يكون واجب الوجود، كما قد بسط هذا في مواضع، وبين أن الواجب الذي يدعونه يقولون : إنه لا يكون لا صفة ولا موصوفًا البتة. وهذا إنما يتخيل في الأذهان لا حقيقة له في الأعيان.
والواجب إذا فسر بمبدع الممكنات فهو حق، وهو اسم للذات المتصفة بصفاتها. وإذا فسر بالموجود بنفسه الذي لا فاعل له فالذات واجبة والصفات واجبة. وإذا فسر بما لا فاعل له ولا محدث، فالذات واجبة والصفات ليست واجبة. وإذا فسر بما ليس صفة ولا موصوفًا فهذا باطل لا حقيقة له. بل هو ممتنع الوجود، لا ممكن الوجود، ولا واجب الوجود. وكلما أمعنوا في تجريده عن الصفات، كانوا أشد إيغالا في التعطيل، كما قد بسط في مواضع.