قال تعالى :﴿ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ ﴾ [ الانشقاق : ٢٠، ٢١ ]، وقال تعالى :﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [ مريم : ٥٨ ]، وقال تعالى :﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٦٤ ]. وذكر مثل هذا في غير موضع. فهو يتلو على المؤمنين آيات اللّه.
وأبي بن كعب أمر بتخصيصه بالتلاوة عليه لفضيلة أبي واختصاصه بعلم القرآن، كما ثبت في الصحاح عن عمر أنه قال : أبي أقرأنا وعلى أقضانا.
وفي الصحيح أنه قال لابن مسعود :( اقرأ علي القرآن ). قال : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال :( إني أحب أن أسمعه من غيري ). فقراءة ابن مسعود عليه في هذا الموضع لإسماعه إياه، لا لأجل التصحيح والتلقين.
وفي معنى قوله تعالى : لم يكن هؤلاء وهؤلاء ﴿ مُنفَكِّينَ ﴾، ثلاثة أقوال ذكرها غير واحد من المفسرين :
هل المراد لم يكونوا منفكين عن الكفر ؟
أو هل لم يكونوا مكذبين بمحمد حتى بعث، فلم يكونوا منفكين عن محمد والتصديق بنبوته حتى بعث ؟
أو المراد أنهم لم يكونوا متروكين حتى يُرسَل إليهم رسول ؟
وممن ذكر هذا أبو الفرج بن الجوزي. قال :﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾، يعني اليهود والنصارى. ﴿ وَالْمُشْرِكِينَ ﴾، وهم عبدة الأوثان. ﴿ مُنفَكِّينَ ﴾، أي : منفصلين وزائلين. يقال : فككت الشيء فانفك، أي : انفصل. والمعنى : لم يكونوا زائلين عن كفرهم وشركهم حتى أتتهم البينة. لفظه لفظ المستقبل ومعناه الماضي. والبينة الرسول، وهو محمد ﷺ بين لهم ضلالهم وجهلهم. وهذا بيان عن نعمة اللّه على من آمن من الفريقين إذ أنقذهم به.