وأيضًا، فإنه قد شاء ذلك، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. ولابد أن يقع كل ماشاءه.
لكن هل يقال : إن المشيئة موجبة ؟ فيه نزاع. وكذلك يقال : إن ذلك وجب لإيجابه له على نفسه، أو لاقتضاء حكمته ذلك، فيه - أيضًا - نزاع.
وما أقسم ليفعلنه، فلابد أن يقع. والقسم متضمن معنى الخبر، /ومعنى الحض والطلب. لكن في ثبوت الثاني في حق الله نزاع بين الناس، كقوله :﴿ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ ص : ٨٥ ]، وقوله :﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ [ الأعراف : ١٦٧ ].
والذين قالوا إن حكمته، أو حكمه، أو مشيئته، توجب ذلك يقولون : إن ذلك قد يعرف بالعقل. فيقولون : إنه قد يعرف بالعقل أنه لابد من إرسال الرسل. وأن ذلك واجب في حكمه وحكمته. وهذا قول كثير من الطوائف، أو أكثرهم.
ومنهم من يقول : لا يعلم شيء من ذلك إلا بالخبر، وهذا قول الجهمية والأشعرية. وذاك قول المعتزلة، والكَرَّامية، والحنفية، أو أكثرهم.
وأما أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، فمنهم من يقول بهذا، ولكن جمهور الفقهاء مع السلف يثبتون الحكمة والتعليل. وإنما ينفي ذلك منهم من وافق الجهمية المجبرة. كالأشعري ومن وافقه.
وكذلك جمهورهم يثبتون للأفعال صفات بها كانت حسنة أو سيئة قبيحة. لا يجعلون حسنها وقبحها ترجيحًا لأحد الأمرين بلا مرجح بل لمحض المشيئة، كما تقوله الجهمية ومن وافقهم.
هذا قول الأئمة والجمهور، كما أن الأئمة والجمهور على إثبات القدر والإيمان به، وأن الله خالق كل شيء، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. لا يقولون بقول من أنكر القدر من المعتزلة ونحوهم، ولا بقول من أنكر حكمة الرب من الجهمية المجبرة ونحوهم.