فالناس إذا أرسل إليهم أحد رجلين؛ إما رجل آمن بهم في الظاهر، فلابد أن يمتحن حتى يتبين الصادق من الكاذب. وإما رجل عمل السيئات ولم يؤمن، فلا يفوت الله، بل هو آخذه - سبحانه وتعالى.
ولهذا انقسم الناس في الرسل إلى ثلاثة أقسام : مؤمن باطن وظاهر، وكافر مظهر للكفر، ومنافق مظهر للإيمان مبطن للكفر. ومن حين هاجر النبي ﷺ إلى المدينة حصل هذا الانقسام، وأنزل الله تعالى في أول البقرة أربع آيات في صفة المؤمنين، وآيتين في صفة الكافرين، وبضع عشرة آية في صفة المنافقين.
وأما حين كان بمكة وكان المؤمنون مستضعفين، فلم يكن أحد يحتاج إلى النفاق، بل كان من المؤمنين من يكتم إيمانه من كثير من الناس. / ومنهم من يتكلم بالكفر مكرهًا مع طمأنينة قلبه بالإيمان. وهذا مؤمن باطنًا وظاهرًا. فإنه وإن أظهر الكفر لبعض الناس لما أكره عليه، أو كتم عنه إيمانه، فهو يتكلم بالإيمان في خلوته ومع من يأمنه، ويعمل بما يمكنه، وما عجز عنه فقد سقط عنه.
ولهذا قال العلماء ـ منهم أحمد بن حنبل ـ : لم يكن يمكنهم نفاق، إنما كان النفاق بالمدينة.
ولكن كان بمكة من في قلبه مرض، كما قال في السورة المكية :﴿ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا ﴾ [ المدثر : ٣١ ]