فالآية تتضمن الإخبار عن وجوب إثبات البينة، وامتناع الانفكاك بدونها. لم يقصد بها مجرد الخبر عن عدم الانفكاك ثم ثبوته في الماضي. وهو كما لو قيل :[ لم يكونوا ينفكوا حتى تأتيهم البينة ]، لكن ـ هنا ـ ذكر اسم الفاعلين، فقيل :[ منفكين ].
وهو ـ سبحانه ـ لما ذكر أنه لابد من إرسال الرسل إلى الذين كفروا من المشركين وأهل الكتاب لتقوم عليهم الحجة بذلك، ذكر بعد هذا أن أهل الكتاب الذين آمنوا بالرسل، ما تفرقوا إلا من بعد ما جاءتهم البينة، وقامت عليهم الحجة. فبينات الله وحجته قامت على هؤلاء وهؤلاء.
وهو لم يعذب واحدًا من الحزبين إلا بعد أن جاءتهم البينة، وقامت عليهم الحجة، كما في قصة موسي ومن أرسل إليه. فإن الله لم يدع فرعون وقومه حتى أرسل إليهم موسي، ولم يعذبهم إلا بعد إقامة الحجة. ثم لما آمن بنو إسرائيل بالكتب والرسل، لم يتفرقوا ويختلفوا إلا من / بعد ما جاءتهم البينة. فلم يكونوا معذورين في ذلك.
ولهذا نهيت أمة محمد عن التشبه بهم، فقيل :﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ٍ ﴾ [ آل عمران : ١٠٥ ].
والناس الذين بعث إليهم محمد، هم كذلك. فمن كان كافرًا لم يكن منفكًا حتى تأتيه البينة، ومن آمن بمحمد من الأمم ثم تفرقوا واختلفوا، فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءتهم البينة.
وما أمر الجميع ﴿ إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [ البينة : ٥ ].