وكذا من آثر كلام الناس وعلومهم على القرآن والسنة، فلولا أنه شانئ لما جاء به الرسول ما فعل ذلك، حتى إن بعضهم لينسي القرآن بعد أن حفظه، ويشتغل بقول فلان وفلان، ولكن أعظم من شنأه ورده : من كفر به وجحده وجعله أساطير الأولين وسحرًا يؤثر، فهذا أعظم وأطم انبتارًا. وكل من شنأه له نصيب من الانبتار، على قدر شناءته له. فهؤلاء لما شنؤوه وعادوه، جازاهم الله بأن جعل الخير كله معاديًا لهم، فبترهم منه، وخص نبيه ﷺ بضد ذلك، وهو أنه أعطاه الكوثر، وهو من الخير الكثير الذي آتاه الله في الدنيا /والآخرة، فمما أعطاه في الدنيا : الهدي والنصر والتأييد وقرة العين والنفس وشرح الصدر، ونعم قلبه بذكره وحبه بحيث لا يشبه نعيمَه نعيم في الدنيا البتة، وأعطاه في الآخرة الوسيلة والمقام المحمود، وجعله أول من يفتح له ولأمته باب الجنة، وأعطاه في الآخرة لواء الحمد، والحوض العظيم في موقف القيامة إلى غير ذلك. وجعل المؤمنين كلهم أولاده وهو أب لهم، وهذا ضد حال الأبتر الذي يشنؤه ويشنأ ما جاء به.
وقوله :﴿ إِنَّ شَانِئَكَ ﴾ [ الكوثر : ٣ ]، أي : مبغضك. والأبتر : المقطوع النسل، الذي لا يولد له خير ولا عمل صالح، فلا يتولد عنه خير، ولا عمل صالح. قيل لأبي بكر بن عياش : إن بالمسجد قومًا يجلسون ويجلس إليهم، فقال : من جلس للناس، جلس الناس إليه. ولكن أهل السنة يموتون، ويحيي ذكرهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم؛ لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول ﷺ فكان لهم نصيب من قوله :﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [ الشرح : ٤ ]، وأهل البدعة شنؤوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان لهم نصيب من قوله :﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [ الكوثر : ٣ ].