فليس في القرآن من هذا شيء، ولا يذكر فيه لفظًا زائدًا، إلا لمعنى زائد وإن كان في ضمن ذلك التوكيد، وما يجيء من زيادة اللفظ في مثل قوله :﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ]، وقوله :﴿ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ﴾ [ المؤمنون : ٤٠ ]، وقوله :﴿ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣ ]، فالمعنى مع هذا أزيد من المعنى بدونه. فزيادة اللفظ لزيادة المعنى، وقوة اللفظ لقوة المعنى. والضم أقوى / من الكسر، والكسر أقوى من الفتح؛ ولهذا يقطع على الضم لما هو أقوى مثل [ الكره ] و [ الكَرْهُ ]. فالكره هو الشيء المكروه، كقوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ً ﴾ [ البقرة : ٢١٦ ]، والكره المصدر، كقوله :﴿ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ﴾ [ فصلت : ١١ ]، والشئ الذي في نفسه مكروه أقوى من نفس كراهة الكاره.
وكذلك [ الذِّبْح ] و [ الذَّبْح ]، فالذِّبح : المذبوح، كقوله :﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [ الصافات : ١٠٧ ]، والذَّبح : الفعل. والذبح : مذبوح، وهو جسد يذبح، فهو أكمل من نفس الفعل.
قال أبو الفرج : والقول الثاني أن المعنى :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ في حالي هذه، ﴿ وَلَا أَنتُمْ ﴾ في حالكم هذه ﴿ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ في ما استقبل، وكذلك ﴿ أَنتُمْ ﴾ فنفي عنهم في الحال والاستقبال. وهذا في قوم بأعيانهم أعلمه الله أنهم لا يؤمنون، كما ذكرناه عن مقاتل. فلا يكون حينئذ تكرار. قال : وهذا قول ثعلب، والزجاج.
قلت : قد ذكر القولين جماعة، لكن منهم من جعل القول الأول قول أكثر أهل المعاني. فقالوا ـ واللفظ للبغوي : معنى الآية : لا أعبد ما تعبدون في الحال، ولا أنا عابد ما عبدتم في الاستقبال، / ولا أنتم عابدون ما أعبد في الاستقبال. وهذا خطاب لمن سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون.